يقال أعتبنى فلان: أي أرضانى بعد إسخاطه إياى، قال الخليل: تقول استعتبته فأعتبنى:
أي استرضيته فأرضانى، قال النابغة في اعتذار يأته للنعمان بن المنذر:
فإن أك مظلوما فعبد ظلمته | وإن يك ذا عتبى فمثلك يعتب |
بعد أن بين كيف عاقب أولئك الجاحدين في الدنيا وأذاقهم عذاب الهون بما كانوا يكسبون- أردف ذلك ذكر عقابهم في الآخرة، ليكون ذلك أتمّ للزجر، وأكثر فى الاعتبار لمن اعتبر.
الإيضاح
(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي واذكر أيها الرسول لقريش المعاندين لك حال الكفار يوم القيامة، لعلهم يرتدعون ويزدجرون حين يساقون إلى النار، فيحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا ويجتمعوا قاله السدى وقتادة وغيرهما.
وفي هذا إيماء إلى كثرة عددهم وشدة سوقهم ودفعهم.
(حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي حتى إذا وقفوا على النار شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجوارحهم بما كانوا يعملون فى الدنيا من المعاصي، بعلامات متمايزة تدل على الأخلاق المختلفة، لكل خلق منها علامة خاصة نحن لا نعرف الآن كنهها، وربما كانت سوائل روحية، كل سائل يدل على خلق من الأخلاق كما يكون في أنواع النبات والشجر روائح مختلفة، فالعلم والحلم والنشاط وجب الناس لها سوائل جميلة، والجهل والطيش والكسل وبغض الناس لها سوائل رديئة، وتلك السوائل تلازمهم فتكون مشقية لهم ومضايقة، أو مفرحة لهم ومنعمة، وهكذا الأجسام بعد الموت لا تشبه نفس نفسا أخرى في أوصافها، فهذه هى الشهادة التي تشهد بها أسماعهم وأبصارهم وجلودهم.