العجب من رؤيا الرجل أنه يبيت فيرى الشيء ولم يخطر على باله فتكون رؤياه كأخذ باليد، ويرى الرجل الرؤيا فلا تكون رؤياه شيئا! فقال علىّ كرم الله وجهه، أفلا أخبرك بذلك يا أمير المؤمنين؟ يقول الله تعالى: «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى»
فالله يتوفى الأنفس كلها، فما رأت وهى عنده سبحانه في السماء فهى الرؤيا الصادقة، وما رأت إذا أرسلت إلى أجسادها فهى الكاذبة، لأنها إذا أرسلت إلى أجسادها تلقتها الشياطين في الهواء فكذبتها، وأخبرتها بالأباطيل فكذبت فيها، فعجب عمر من قوله رضى الله عنهما اه.
ومن هذا تعلم أن النفس علويّة هبطت من المحل الأرفع، وشغلت بتدبير منزلها فى ليلها ونهارها، ولا تزال تنتظر العود إلى ذيّاك الحمى، فحين النوم تنتهز الفرصة، فيحصل لها نوع توجه إلى عالم النور، وتستعد لقبول بعض آثاره، والاستضاءة بشىء من أنواره فمتى رأت وهى في تلك الحال فاضت عليها أنواره فكانت الرؤيا صادقة، ومتى رأت وهى راجعة القهقرى إلى ما ابتليت به من تدبير منزل تحوم فيه شياطين الأوهام، وتزدحم فيه أىّ ازدحام، كانت رؤياه كاذبة، وهى في كلتا الحالين متفاوتة بحسب الاستعداد والله ولى التوفيق، ومنه الهداية لأقوم طريق.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) أي إن فيما ذكر لآيات عظيمة دالة على كمال قدرته تعالى وحكمته لمن يتفكر في طريق تعلق الأنفس بالأبدان وتوفيها عنها بانقطاع تصرفها حين الموت مع بقائها في عالم آخر إلى أن يعيد الله الخلق، وفي قطع تصرفها فى الظاهر فقط في حال النوم، ثم إرسالها حال اليقظة إلى انقضاء آجالها.
ثم أنكر على المشركين اتخاذ الأصنام شفعاء، فقال:
(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ) أي بل اتخذ المشركون آلهتهم التي يعبدونها لتشفع لهم عند الله في قضاء حاجاتهم؟.