والخلاصة- إن دلائل التوحيد مركوزة في العقول لا يحجبها إلا الاشتغال بعبادة غير الله، فإذا أناب العبد إلى ربه زال الغطاء، وظفر بالفوز، وظهرت له سبل النجاة.
ولمّا ذكر ما نصبه من الأدلة على التوحيد أمر عباده بدعائه وإخلاص الدين له فقال:
(فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) أي إذا علمتم أن التذكر خاص بمن ينيب، فادعوا الله وحده مخلصين له العبادة التي أمركم بها، وخالفوا المشركين فى مسلكهم، ولا تلتفتوا إلى كراهتهم لذلك، ودعوهم يموتوا بغيظهم ويهلكوا بحسرتهم.
وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن الزبير «أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون».
وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالاجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء قلب غافل لاه».
وبعد أن ذكر من صفات كبريائه إظهاره للآيات وإنزاله للأرزاق- ذكر ثلاث صفات أخرى تدل على جلاله وعظمته فقال:
(١) (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) أي إنه أرفع الموجودات وأعظمها شأنا، لأن كل شىء محتاج إليه، وهو مستغن عما عداه، وإنه أزلى أبدىّ ليس لوجوده أول ولا آخر، وإنه العالم بكل شىء «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ».
(٢) (ذُو الْعَرْشِ) أي إنه مالك العرش ومدبره، فهو مستول على عالم الأجسام وأعظمها العرش، كما هو مستول على عالم الأرواح وهى مسخرة له، وإلى ذلك أشار قوله:


الصفحة التالية
Icon