وقد جعل ظهور ما دعا إليه موسى وانتشاره في الأرض واهتداء الناس به فسادا، وليس الفساد إلا ما هو عليه هو ومن تابعه.
ولما هدد فرعون موسى بالقتل استعاذ بالله من كل متعظم عن الإيمان به لا يؤمن بالبعث والنشور، فصانه من كل بليّة، وإلى ذلك أشار بقوله:
(وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) أي إنى استجرت بالله ربى وربكم، واستعنت به من شر كل مستكبر لا يذعن للحق، ولا يؤمن بيوم يحاسب الله فيه الخلائق، فيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بما أساء، وإنما خص الاستعاذة بمن جمع بين الاستكبار والتكذيب بالجزاء، لأنهما عنوان قلة المبالاة بالعواقب، وعنوان الجرأة على الله وعلى عباده، فمن لم يؤمن بيوم الحساب لم يكن للثواب على الإحسان راجيا، ولا من العقاب على الإساءة وقبيح ما يأتى من الأفعال خائفا.
وفي قوله (بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) حثّ لهم على موافقته في العياذ به سبحانه، والتوجه إليه جل شأنه بالأرواح، فالأرواح الطاهرة إذا تظاهرت كان ذلك أدنى إلى الإجابة، وأقرب إلى تحقق الغرض، ومن ثم شرعت صلاة الجماعة، وإنما قال (مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ) ولم يقل «منه» سلوكا لطريق التعريض، وتحاشيا مما قد يعرض له من الأذى إذا هو سمع كلامه فهو واف بالغرض ومبين للعلة التي لأجلها أبى واستكبر.
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩)