(وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ) أي ولا يسخر نساء من نساء عسى أن يكون المسخور منهن خيرا من الساخرات، وأتى بالجمع فى الموضعين، من قبل أن الأغلب فى السخرية أن تكون فى مجامع الناس، وكم من متلذذ بها، وكم من متألم منها.
روى الترمذي عن عائشة قالت: حكيت للنبى صلّى الله عليه وسلّم رجلا فقال:
«ما يسرنى أنى حكيت رجلا وأن لى كذا وكذا، قالت فقلت يا رسول الله إن صفية امرأة وقالت «١» بيدها هكذا تعنى أنها قصيرة، فقال: لقد مزحت بكلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته».
وروى مسلم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»
وفى هذا إيماء إلى أن المرء لا يقطع بمدح أحد أو عيبه كما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال، ولعل من رأينا منه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه، فالأعمال أمارات ظنية، لا أدلة قطعية.
(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي ولا يعب بعضكم بعضا بقول أو إشارة على وجه الخفية.
وفى قوله: «أنفسكم» تنبيه إلى أن العاقل لا يعيب نفسه، فلا ينبغى أن يعيب غيره لأنه كنفسه، ومن ثم
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «المؤمنون كجسد واحد إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى»
وقال عليه الصلاة والسلام: «يبصر أحدكم القذاة «٢» فى عين أخيه ويدع الجذع فى عينه».
(٢) ما يقع فى العين والماء والتراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك.