وإن الأمم لا تزال فى الطّور الأول، فهى تسعى لإسعاد نفسها بإهلاك سواها، وسيأتى حين تسعى فيه لإسعاد الجميع، ويكون فرحها بهذا المسعى أشد من فرحها بهزيمة الأعداء ويكون الناس جميعا بعضهم لبعض كالآباء والأبناء.
وإلى حال الكمال أشار سبحانه بقوله: (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) وإلى حال النقص أشار سبحانه بقوله:
(ذلِكَ) أي هذا الذي أمرتكم به من قتل المشركين إن لقيتموهم فى حرب، وشدّ وثاقهم فى أسرهم، والمنّ والفداء حتى تضع الحرب أوزارها- هو الحق الذي أمركم به ربكم، وهو السنة التي جرى عليها لإصلاح حال عباده، وهى التي ستبقى السنة الطبيعية بين الأمم ما دامت فى طور طفولتها، حتى يتم نضجها العقلي والخلقي فتضع الحرب أوزارها، إذ لا يكون هناك حاجة إليها، لأن العالم كله يكون كأسرة واحدة، سعادته بسعادة أفراده جميعا، وشقاؤه بشقائهم.
ثم بين أن هذه هى السنة التي أرادها الله من حرب المشركين، ولو شاء لانتقم منهم بلا حرب ولا قتال، فقال:
(وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) أي ولو يشاء ربكم لانتصر من هؤلاء المشركين بعقوبة عاجلة، وكفاكم أمرهم، ولكنه أراد أن يبلو بعضكم ببعض فيختبركم بهم، فيعلم المجاهدين منكم والصابرين ويبلوهم بكم، فيعاقب بأيديكم من شاء، ويتعظ منهم من شاء بمن أهلك بأيديكم حتى ينيب إلى الحق.
وفى الجهاد تقوية لأبدانكم، ورقىّ لعقولكم، ونفاذ لكلمتكم، وجمع لشملكم بما ترون من اتحاد عدوكم، وبه ترقى الزراعة والتجارة والصناعة وجميع العلوم إذ لا يتم حرب ولا غلبة إلا بها، وهكذا ترتقى حال الأعداء، فيتسع العمران، وتعم المدنية، ويرقى النوع الإنسانى، ولا يعيش فى هذا الوسط الصاحب إلا الصالح للبقاء والضعيف من الطرفين هالك، وهذه هى سنة الله فى الكون.