الإحصاء، وما للآخرين من العذاب اللازب فى النار وشرب الماء الحارّ الذي يقطّع الأمعاء
الإيضاح
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي صفة الجنة التي وعدها الله من اتقى عقابه، فأدى فرائضه واجتنب نواهيه- ما ستسمعونه بعد.
ثم فسر هذه الصفة بقوله:
(١) (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) أي فيها أنهار جارية من مياه غير متغيرة الطعم والريح، لطول مكثها وركودها.
(٢) (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ) أي لم يحمض ولم يصر قارصا ولا حازرا كألبان الدنيا، وتغير الريح لا يفارق تغير الطعم.
(٣) (وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ) أي وفيها أنهار من خمر لذيذة لهم، إذ لم تدنسها الأرجل، ولم ترنّقها (تكدرها) الأيدى كخمر الدنيا، وليس فيها كراهة طعم وريح، ولا غائلة سكر وخمار كخمور الدنيا، فلا يتكرّهها الشاربون.
(٤) (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) أي وفيها أنهار من عسل قد صفّى من القذى وما يكون فى عسل أهل الدنيا قبل التصفية من الشمع وفضالات النحل وغيرها.
وبدىء بالماء لأنه لا يستغنى عنه فى الدنيا، ثم باللبن لأنه يجرى مجرى المطعوم لكثير من العرب فى غالب أوقاتهم، ثم بالخمر لأنه إذا حصل الرىّ والشبع تشوفت النفس لما يستلذ به، ثم بالعسل لأن فيه الشفاء فى الدنيا مما يعرض من المشروب والمطعوم.
أخرج أحمد والترمذي وصححه وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي عن معاوية ابن حيدة قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «فى الجنة بحر اللبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار منها بعد».