(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) أي إن الشمس والقمر وهما من أعظم الأجرام يجريان فى بروجهما ومنازلهما بحساب مقدر معلوم، وبهما تنتظم أمور المخلوقات الأرضية، وتختلف الفصول، وبهذا الحسبان انتفع بهما الناس فى شئون الزراعات كمواعيد البذر والحصاد، وما ينفع منها فى كل فصل من الفصول، وفى الأمور المالية من بيع وشراء لآجال محدودة من شهور وسنين، وفى تقدير الأعمار والآجال التي تقدمت، وجاءت فى أخبار الماضين، والتي ستكون للحاضرين.
وبعد أن ذكر أن الشمس والقمر طوع قدرته وقد جعل لهما النظم الدقيقة فى الحسبان- أردفه انقياد العوالم الأرضية له فقال:
(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) أي والزرع والشجر ينقادان لله فيما أراد بهما طبعا كما ينقاد المكلف اختيارا، فما اختلاف ثمرهما فى الشكل والهيئة واللون والمقدار والطعم والرائحة، إلا انقياد للقدرة التي أرادت ذلك.
(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) أي وجعل العالم العلوي رفيع القدر، إذ هو مبتدأ أحكامه، ومتنزّل أوامره ونواهيه لعباده، وسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحى على أنبيائه، وجعل نظم العالم الأرضى تسير على نهج العدل، فعدل فى الاعتقاد كالتوحيد، إذ هو وسط بين إنكار الإله والشرك به، وعدل فى العبادات والفضائل والآداب، وعدل بين القوى الروحية والبدنية، فأمر عباده بتزكية نفوسهم وأباح لهم كثيرا من الطيبات لحفظ البدن، ونهى عن الغلوّ فى الدين والإسراف فى حب الدنيا، وهكذا ترى أن عدله شامل لكل ما فى هذا العالم لا يغادر الصغير ولا الكبير منه.
(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) أي فعل ذلك لئلا تعتدوا وتتجاوزوا ما ينبغى من العدل والنّصفة وجرى الأمور وفق ما وضع لكم من سنن الميزان فى كل أمر، فترقى شئونكم، وتنتظم أعمالكم وأخلاقكم.
ثم أكد هذا بقوله: