ثم أردف ذلك دليلا آخر فى الرزق فى المطعوم فقال:
(أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) أي أخبرونى عن الحرث الذي تحرثونه، ء أنتم تنبتونه أم نحن الذين ننبته؟ أيء أنتم تصيرونه زرعا أم نحن الذين نصيّره كذلك؟.
وروى عن حجر المنذرى أنه كان إذا قرأ (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) وأمثالها يقول: بل أنت يا رب.
(لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي نحن أنبتناه بلطفنا ورحمتنا، وأبقيناه لكم، ولو شئنا لأيبسناه قبل استوائه واستحصاده، فأصبح لا ينتفع به فى مطعم ولا فى غذاء، فصرتم تعجبون من سوء حاله إثر ما شاهدتم فيه من الخضرة والنضرة والبهجة والرّواء، وتقولون: حقا إنا لمعذبون مهلكون لهلاك أرزاقنا، لا بل هذا أمر قدر علينا لنحس طالعنا، وسوء حظنا.
والخلاصة- لو نشاء لجعلناه هشيما متكسرا لشدة يبسه، فأقمتم تعجبون مما نزل بكم، ويعجّب بعضكم بعضا لذلك وتقولون إنا لمعذبون، لا بل نحن محرمون غير مجدودين، لنحس طالعنا، وسوء حظنا.
ثم أعقبه بدليل آخر فى المشروب فقال:
(أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) أي أفرأيتم أيها الناس الماء العذب الذي تشربونه، ء أنتم أنزلتموه من السحاب الذي فوقكم إلى قرار الأرض أم نحن منزلوه لكم؟.
(لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ) أي لو نشاء لجعلناه ملحا زعاقا لا تنتفعون به فى شرب ولا غرس ولا زرع، فهلا تشكرون ربكم على إنزاله المطر عذبا زلالا؟
«لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ. يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».