وإذا كان المؤمنون قد أصابهم الوهن ولم يمض على الإسلام أكثر من ثلاث عشرة سنة كما قال ابن عباس، فما بالهم اليوم وقد مضى عليهم أكثر من ثلاثة عشر قرنا، فتعبير الآية عن حالهم الآن بالأولى، فالوهن الآن أضعاف مضاعفة عما كان فى تلك الحقبة، ومن ثم أفرط الفرنجة فى إذلالهم واستعبادهم، وصاروا غرباء فى ديارهم، والأمر والنهى فيها لسواهم:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
ثم حذرهم أن يكونوا كأهل الكتاب قبلهم فقال:
(وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي لا يتشبهوا بالذين حمّلوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى حين طال الأمد بينهم وبين أنبيائهم، فقست قلوبهم ولم تقبل موعظة ولم يؤثر فيها وعد ولا وعيد، وبدلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنا قليلا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة، والأقوال المؤتفكة، وقلدوا فى دين دون دليل ولا برهان، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وكثير منهم خرج عن أوامر الدين فى الأعمال والأقوال كما قال: «فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ».
أي فسدت قلوبهم فقست وصار سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه، فتركوا الأعمال التي أمروا بها، واجترحوا ما نهوا عنه.
والخلاصة- إن الله نهى المؤمنين أن يكونوا حين سماع القرآن غير متدبرين مواعظه كاليهود والنصارى الذين قست قلوبهم، لما طال العهد بينهم وبين أنبيائهم.
ثم ضرب المثل لتأثير المواعظ وتلاوة القرآن فى القلوب فقال:
(اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي إن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها، ويهدى النفوس الحيارى بعد ضلّتها،


الصفحة التالية
Icon