وقوله فى جنات ونعيم لبيان أن حالهم كحال من يتمتع بالبستان، وكالناطور الذي يحرسه وقوله: فاكهين إشارة إلى أن قلوبهم لا يشغلها همّ ولا نصب، بل هم فى لذة، وسرور، وفرح وحبور.
ثم ذكر أنهم تمتعوا بنعمة أخرى قبل هذه فقال:
(وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) أي وقد نجاهم ربهم من عذاب النار، فلم يمسسهم لظاها، ولم يحسوا بأذاها، فهم قد لابسوا النعم، وجانبوا النقم، وذلك هو الفوز العظيم والنعيم المقيم.
ثم ذكر أنه يقال لهم حينئذ:
(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أي كلوا مما رزقكم ربكم من الطيبات، واشربوا مما لذ وطاب، هنيئا: أي لا تخافون أذى ولا غائلة كما تشاهدون مثل ذلك فى طعام الدنيا وشرابها، كفاء ما قدمتم من صالح الأعمال، وآثرتم من تعب الدنيا لراحة الآخرة. قيل للربيع بن خيثم وقد صلّى طوال الليل: أتبعت نفسك، فقال:
راحتها أطلب.
ونحو الآية قوله تعالى: «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ».
وفى قوله (هنيئا) إشارة إلى خلوّ المآكل والمشارب مما ينغصهما، فإن الآكل قد يخاف المرض فلا يهنأ له الطعام، أو يخاف النفاد فيحرص عليه، أو يتعب فى تحصيله وتهيئته بالطبخ والإنضاج، ولا يكون شىء من هذا فى الآخرة.
وفى قوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) إيماء إلى أن هذا إنجاز لما وعدهم ربهم به فى الدنيا، فلا منّ عليهم فيه، بل كان المن عليهم فى الدنيا، بهدايتهم للإيمان، وتوفيقهم لصالح الأعمال كما قال: «يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا، قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ».
ثم ذكر ما يتمتعون به من الفرش فقال: