الإيضاح
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) أي إن المؤمنين إذا اتبعتهم ذريتهم فى الإيمان يلحقهم ربهم بآبائهم فى المنزلة فضلا منه وكرما وإن لم يبلغوا بأعمالهم منزلتهم، لتقرّبهم أعينهم، ويكمل بهم فرحهم وحبورهم، لوجودهم بينهم.
روى ابن مردويه والطبراني عن ابن عباس أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده، فيقال له إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك، فيقول: رب قد عملت لى ولهم فيؤمر بإلحاقهم به».
(وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي وما أنقصنا مثوبات الآباء وحططنا درجاتهم بل رفعنا منزلة الأبناء تفضلا منا وإحسانا.
وبعد أن أخبر عن مقام الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى منزلة الآباء من غير عمل لهم، أخبر عن مقام العدل وهو ألا يؤاخذ أحد بذنب أحد فقال:
(كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) أي كل امرئ مرتهن بعمله، لا يحمل عليه ذنب غيره من الناس، سواء كان أبا أو ابنا، وقد جعل العمل كأنه دين والمرء كأنه رهن به، والرهن لا ينفك ما لم يؤدّ الدين، فإن كان العمل صالحا فقد أدى الدين، لأن العمل الصالح يقبله الله ويصعد إليه، وإن كان غير صالح فلا أداء ولا خلاص، إذ لا يصعد إليه غير الطيب.
ونحو الآية قوله «كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ. إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ» أي إن كل نفس رهن بعملها عند الله لا يفك رهنها إلا أصحاب اليمين، فإنهم فكوا عنه رقابهم بما أطاعوه من عملهم وكسبهم.
وبعد أن ذكر وجوه النعيم فيما سلف ذكر أنه يزيدهم على ذلك حينا فحينا مما يشتهون من قنون النعماء فقال: