كأمس الدابر عبرة ومثلا للآخرين، فذكر أنه أرسل موسى إلى فرعون بشيرا ونذيرا فأبى واستكبر واعتزّ بقوته وجنده، وقال أنا ربكم الأعلى، فأغرق هو وقومه فى البحر.
وأرسل شعيبا إلى عاد فكذبوه فأهلكهم بريح صرصر عاتية. وأرسل صالحا إلى ثمود فكذبوه فأخذتهم الصاعقة ولم تبق منهم أحدا، وبعث نوحا إلى قومه فلم يستجيبوا لدعوته فأخذهم الطوفان وهم ظالمون.
الإيضاح
(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ. فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) أي وفى قصص موسى عبرة لقوم يعقلون، إذ أرسلناه إلى فرعون بحجج ظاهرة، وآيات باهرة، فأعرض ونأى، وكذب ما جاء به، معتزا بجنده وقوته وجبروته، وقال حينا تحقيرا لشأن موسى: «إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ» وقال حينا آخر: «إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ». وما مقصده من هذا إلا صرفهم عن النظر والتأمل فيما جاء به من الآيات، خوفا على ملكه أن ينهار، وعلى دولته أن يلحقها الدمار، وإبقاء على ما له من النفوذ والسلطان فى البلاد.
ثم ذكر جزاءه هو وقومه على ما صنع فقال:
َأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ)
أي فألقينا فرعون وجنوده فى البحر وهو آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان.
وفى هذا إيماء إلى عظمة القدرة على إذلال الجبابرة وسوء عاقبتهم، جزاء عتوهم واستكبارهم وعصيانهم أمر خالقهم.
ثم ذكر قصص عاد فقال:
(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) أي وفى عاد آية لكل ذى لبّ، إذ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا عاتية


الصفحة التالية
Icon