ونحو الآية قوله تعالى: «تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ».
ثم بين بعض آثار عزته، وأحكام حكمته فقال:
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أي هو الذي أجلى بنى النضير من المدينة بقوة عزته، وعظيم سلطانه، وكان هذا أول مرة حشروا فيها وأخرجوا من جزيرة العرب لم يصبهم الذل قبلها، لأنهم كانوا أهل عزة ومنعة، وآخر حشر لهم إجلاء عمر رضى الله عنه لهم من خيبر إلى الشام.
ثم بيّن فضل الله على المؤمنين، ونعمته عليهم فى إخراج عدوهم من ديارهم ولم يكن ذلك منتظرا فقال:
(ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) أي ما خطر لكم ذلك أيها المؤمنون ببال، لشدة بأسهم ومنعتهم، وقوة حصونهم، وكثرة عددهم وعددهم.
وفى ذكر هذا تعظيم للنعمة، فإن النعمة إذا جاءت من حيث لا ترتقب كانت مكانتها فى النفوس أعظم، وكانت بها أشد سرورا وابتهاجا.
والمسلمون ما ظنوا أن يبلغ الأمر بهم إلى إخراج اليهود من ديارهم، ويتخلصوا من مكايدهم وأشراكهم التي ما فتئوا ينصبونها للمؤمنين، وبذا قضى الله عليهم قضاءه الذي لا مردّ له، وصدق الله (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي).
ثم ذكر ما جرّأهم على مشاكسة النبي ﷺ وتأليب المشركين عليه فقال:
(وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ) أي وظن بنو النضير أن حصونهم المنيعة القوية تمنعهم من أن ينالهم عدو بسوء، فلا يستطيع جيش مهما أوتى من بأس أن يصل إليهم بأذى، فاطمأنوا إلى تلك القوة، وأوقدوا نار الفتنة بين الرسول ﷺ والمشركين، طمعا فى القضاء عليه، بعد أن أصبحت له الزعامة