بقوله: «يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ» فلم يمتثلوا أمره وعصوه أشد العصيان، و «قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها، فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ» وقالوا: «فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ» وأصروا على ذلك وآذوه أشدّ الإيذاء، فوبخهم على ذلك بما جاء فى الآية الكريمة، وقد صرفهم الله عن قبول الحق وألحق بهم الضيم والذل فى الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى.
ومثلهم أيضا فى عصيانهم مثل بنى إسرائيل حين قال لهم عيسى: إنى رسول الله:
وجاءهم بالبينات والمعجزات الدالة على صدقه وقال: إنى مبشر برسول سيأتى من بعدي يسمى أحمد، فعصوه وكذبوه ولم يمتثلوا أمره.
الإيضاح
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ؟) أي واذكر لقومك خبر عبده ورسوله موسى بن عمران كليم الله حين قال لقومه: لم تؤذوننى وتخالفون أمرى فتتركوا القتال وأنتم تعلمون صدقى فيما جئتكم به من رسالة ربى؟ وفى هذا تسلية لرسوله محمد ﷺ فيما أصابه من قومه الكافرين ومن غيرهم، وأمر له بالصبر، ولهذا
قال ﷺ «رحمة الله على موسى لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر»
كما أن فيه نهيا للمؤمنين أن ينالوا من النبي ﷺ أو يوصلوا إليه أذى كما جاء فى قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً».
ثم بين عاقبة عصيانهم ومخالفة أمره بقوله:
(فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) أي فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، وأصرّوا على ذلك، صرف الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الحيرة والشك، جزاء