عليه، فيفصم عنه (يفارقه) وقد وعى ما قال. وأحيانا يتمثل له الملك رجلا فيكلمه فيعى ما يقول، وكان ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقا»
يجرى عرقه كما يجرى الدم من الفاصد.
ثم علل الأمر بقيام الليل فقال:
(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلًا) أي لأن قيام الليل أشد مواطأة وموافقة بين القلب واللسان، وأجمع للخاطر فى أداء القراءة وتفهمها، وهو أفرغ للقلب من النهار، لأنه وقت انتشار الناس ولغط الأصوات والبحث عن أمور المعاش، ومن ثم قال:
(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا) أي إن لك فى النهار تقلّبا وتصرفا فى مهامّ أمورك واشتغالا بشواغلك، فلا تستطيع أن تتفرغ فيه للعبادة، فعليك بالتهجد، فإن مناجاة الرب يعوزها الفراغ والتخلي عن العمل.
ثم أمر رسوله بمداومة الذكر والإخلاص له فقال:
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) أي ودم على ذكره ليلا ونهارا بالتسبيح والتهليل والتحميد والصلاة وقراءة القرآن، وانقطع إليه بالعبادة، وجرد إليه نفسك وأعرض عما سواه.
ونحو الآية قوله: «فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ» أي فإذا فرغت من شئونك، فانصب فى طاعته وعبادته، لتكون فارغ القلب، خاليا من الهواجس والوساوس الدنيوية.
ثم بين السبب فى الأمر بالذكر والتبتل فقال:
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) أي هو المالك المتصرف فى المشارق والمغارب، لا إله إلا هو، فعليك أن تتوكل عليه فى جميع أمورك.
ونحو الآية قوله: «فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ». وقوله: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».