وغزوات الرسول وأصحابه تفسر ما ورد في هذه الآيات، ولما خالفوا ما أمروا به غزوة أحد نزل بهم ما نزل، وفي هذا أكبر عبرة لمن تذكر واعتبر.
وقد روى أرباب السير أن جيش المسلمين كان ثلاثمائة وثلاثة وعشرين رجلا، سبعة وسبعون منهم من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار، وصاحب راية المهاجرين على بن أبي طالب، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان في العسكر تسعون بعيرا وفرسان أحدهما للمقداد بن عمرو، والآخر لمرثد بن أبي مرثد، وكان معهم ست دروع وثمانية سيوف، وجميع من قتل منهم يومئذ أربعة عشر رجلا ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.
وأن جيش المشركين كان تسعمائة وخمسين مقاتلا، رأسهم عقبة بن ربيعة، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، وكان في معسكرهم من الخيل مائة فرس وسبعمائة بعير، ومن الأسلحة ما لا يحصى عدّا.
ومعنى قوله (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) أن المشركين رأوا المسلمين مثلى عدد المشركين أي قريبا من ألفين- وكانوا نحو ثلاثمائة- أراهم الله إياهم مع قلتهم أضعافهم ليهابوهم ويجبنوا عن قتالهم، وكان ذلك مددا لهم من الله كما أمدهم الله بالملائكة، بعد ما قللهم في أعينهم حتى اجترءوا عليهم وتوجهوا إليهم كما جاء في خطاب أهل بدر «وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ».
ومعنى قوله (رأى العين) أنها رؤية مكشوفة لا لبس معها ولا خفاء كسائر المرئيات والمشاهدات.
(وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ) أي والله يقوّى بمعونته من يشاء كما أيد أهل بدر بتكثيرهم في عين العدو.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي إن في هذا النصر مع قلة عددهم وكثرة عدوهم عظة لمن عقل وتدبر فعرف الحق وثلج قلبه ببرد اليقين.