وقد وصف سبحانه نفسه بأنه خلق الإنسان من علق، وأنه علمه بالقلم ليبين.
أحوال هذا الإنسان، وأنه خلق من أحقر الأشياء، وبلغ فى كماله الإنسانى أن صار عالما بحقائق الأشياء، فكأنه قيل: تدبر أيها الإنسان تجد أنك قد انتقلت من أدنأ المراتب وأخسها، إلى أعلى الدرجات وأرفعها، ولا بد لذلك من مدبر قادر حكيم أحسن كل شىء خلقه.
ثم زاد الأمر بيانا بتعداد نعمه فقال:
(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) أي إن من صدر أمره بأن يكون رسوله ﷺ قارئا، هو الذي علم الإنسان جميع ما هو متمتع به من العلم، وممتاز به عن غيره من الحيوان، وكان فى بدء أمره لا يعلم شيئا، فهل من عجب أن يعلمك القراءة، ويعلمك كثيرا من العلوم سواها، ونفسك مستعدة لقبول ذلك.
وفى الآية دليل على فضل القراءة والكتابة والعلم.
ولعمرك لولا القلم ما حفظت العلوم، ولا أحصيت الجيوش، ولضاعت الديانات، ولا عرف الأواخر معارف الأوائل، وعلومهم ومخترعاتهم وفنونهم، ولما سجّل تاريخ السابقين: المسيئين منهم والمحسنين، ولا كان علمهم نبراسا يهتدى به الخلف، ويبنى عليه ما به ترقى الأمم، وتتقدم المخترعات.
كما أن فيها دليلا على أن الله خلق الإنسان الحي الناطق مما لا حياة فيه ولا نطق، ولا شكل ولا صورة، وعلمه أفضل العلوم وهى الكتابة، ووهبه العلم ولم يكن يعلم شيئا، فما أعجب غفلتك أيها الإنسان!.
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ٦ الى ١٩]
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)