بما يقص فيه من قصص وزواجر، ولا شك أن البشر كان فى حاجة إلى دستور يبين لهم ما التبس عليهم من أمر دينهم ودنياهم، ويوضح لهم أمر النشأة الأولى وأمر النشأة الآخرة، لأنهم كانوا أعجز من أن يفهموا مصالحهم الحقة حتى يسنّوا لأنفسهم من النظم ما يغنيهم عن الدين والتدين، وحوادث الكون التي نراها رأى العين كفيلة بأن تبين وجه الحق فى ذلك، فإن الناس من بدء الخليقة يبدئون ويعيدون. ويصححون ويراجعون فى قوانينهم الوضعية، ثم يستبين لهم بعد قليل من الزمن أنها لا تكفى لهدى المجتمع والأخذ بيده إلى موضع الرشاد، وتمنعه من الوقوع فى مهاوى الزلل، ومن ثم قيل: لا غنى للبشر عن دين ولا عن وازع روحى يضع لهم مقابيس الأشياء وقيمها بعد أن أبان لهم العلم وصفها وخواصها، كما لا غنى له عن الاعتقاد فى قوة غيبية يلجأ إليها حين يظلم عليه ليل الشك، وتختلط عليه صروف الحياة وألوان مآسيها اهـ.
ثم أشار إلى أن فضلها لا يحيط به إلا هو فقال:
(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟) أي ولم تبلغ درايتك وعلمك غاية فضلها، ومنتهى علوّ قدرها.
وفى هذا إيماء إلى أن شرفها مما لا يحيط به علم العلماء، وإنما يعلمه علام الغيوب الذي خلق العوالم وأنشأها من العدم.
ثم أوضح مقدار فضلها فقال:
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) لأن ليلة يسطع فيها نور الهدى وتكون فاتحة التشريع الجديد الذي أنزل لخير البشر، ويكون فيها وضع الحجر الأساسى لهذا الدين الذي هو آخر الأديان الصالح لهم فى كل زمان ومكان، هى خير من ألف شهر من شهورهم التي كانوا يتخبطون فيها فى ظلام الشرك وضلال الوثنية، حيارى لا يهتدون إلى غاية، ولا يقفون عند حد.


الصفحة التالية
Icon