وقد جرت سنة الله فى خلقه أن يسرع فى إجابة دعوة الرسل الضعفاء، من قبل أنهم لا يملكون ما لا فيخافوا أن يضيع فى سبيل الدعوة الجديدة، ولا جاها ونفوذا فيخافوا أن يضيعا أمام الجاه الذي منحه صاحب الدعوة- وأن يتخلف عنها السادة الكبراء حتى يدخلوا فى دين الله وهم له كارهون، ومن ثم يظل الجدل بين أولئك الصناديد ورسل الله، ويأخذون فى انتقاصهم. وكيل التهم لهم تهمة بعد تهمة، والله ينصر رسله ويؤيدهم ويشدّ أزرهم.
وعلى هذا السّنن سار أهل مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقد تخلف عنه سادتهم وكبراؤهم حسدا له ولقومه الأدنين.
(٢) إنهم كانوا إذا رأوا أبناءه يموتون، يقولون: انقطع ذكر محمد وصار أبتر، يحسبون ذلك عيبا فيلمزونه به ويحاولون تنفير الناس عن اتباعه.
(٣) إنهم كانوا إذا رأوا شدة نزلت بالمؤمنين طاروا بها فرحا وانتظروا أن تدول الدّولة عليهم وتذهب ريحهم، فتعود إليهم مكانتهم التي زعزعها الدين الجديد.
فجاءت هذه السورة لتؤكد لرسوله أن ما يرجف به المشركون وهم لا حقيقة له، ولتمحص نفوس الذين لم تصلب قناتهم، ولتردّ كيد المشركين فى نحورهم، ولتعلمهم أن الرسول منتصر لا محالة. وأن أتباعه هم المفلحون.
[سورة الكوثر (١٠٨) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)


الصفحة التالية
Icon