الباطل، فلا يستطيع مقاومة الحق إذا صدمه، ولكنه يذهب بالنفس إلى أسوإ مصير، إذا انجرّت مع وسوسته، وانساقت معه إلى تحقيق ما خطر بالبال.
وهذه الأحاديث النفسية إذا سلط عليها نظر العقل خفيت واضمحلت، ولكن الموسوس عند إلقائها.
وحديث النفس بالفواحش وضروب الأذى للناس، يذهب هباء إذا تنبهت النفس لأوامر الشرع، وهكذا إذا وسوس لك امرؤ وبعثك على فعل السوء ثم كرّته بأوامر الدين يخنس ويمسك عن القول، إلى أن تستح له فرصة أخرى.
وقد وصف الله هذا الوسواس الخناس بقوله:
(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) أي إن هذا الوسواس الخناس الذي يوسوس فى صدور البشر، قد يكون من الجنة وقد يكون من الناس، كما جاء فى قوله تعالى: «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ» فشيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس أخرى، وشيطان الإنس كذلك، فكثيرا ما يريك أنه ناصح شفيق، فإذا زجرته خنس وترك هذه الوسوسة، وإذا أصغيت إلى كلامه استرسل واستمر فى حديثه وبالغ فيه،
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «إن الله عز وجل تجاوز لأمتى عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به» رواه أبو هريرة وخرّجه مسلم.
وإنما جعل الوسوسة فى الصدور من قبل أنه عهد فى كلام العرب أن الخواطر فى القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، ألا تراهم يقولون: إن الشك يحوك فى صدرك، ويجيش فى صدرى كذا، ويختلج ذلك بخاطري، وما الشك إلا فى نفسه وعقله، وأفاعيل العقل تكون فى المخ، ويظهر لها أثر فى حركات الدم وضربات القلب، وضيق الصدر وانبساطه.
قال الأستاذ الإمام: الموسوسون قسمان:
(١) قسم الجنة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد فى أنفسنا