وأين هذا مما يفعله الأولياء والأوصياء من أكل أموال السفهاء ومدهم فى غيهم وسفههم حتى يحولوا بينهم وبين أسباب الرشد، وما مقصدهم من ذلك إلا بقاء الأموال تحت أيديهم يتمتعون بها، ويتصرفون فيها بحسب أهوائهم وشهواتهم.
وبعد أن أمر سبحانه بإيتاء اليتامى أموالهم وكان هذا مجملا ذكر كيفية ذلك الإيتاء ووقته فقال:
(وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) ابتلاء اليتيم واختباره يكون بإعطائه شيئا من المال يتصرف فيه، فإن أحسن كان راشدا، إذ لا معنى للرشد هنا إلا حسن التصرف وإصابة الخير فيه، وهو نتيجة صحة العقل وجودة الرأى.
وبلوغ النكاح هو الوصول إلى السن التي يستعد فيها المرء للزواج وهو بلوغ الحلم، وهو فى هذه الحال تتوجه نفسه إلى أن يكون زوجا وأبا ورب أسرة، ولا يتم له ذلك إلا بالمال، ومن ثم وجب إيتاؤه إياه إلا إذا بلغ سفيها وخيف أن يضيعه.
والمعنى- أيها الأولياء ابتلوا اليتامى إلى ابتداء البلوغ وهو الحد الذي يبلغون فيه سن النكاح، فإن آنستم منهم بعد البلوغ رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، وإلا فاستمروا على الابتلاء حتى تأنسوه منهم، ويرى أبو حنيفة دفع مال اليتيم إليه إذا بلغ خمسا وعشرين سنة وإن لم يرشد.
(وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) أي ولا تأكلوا أموال اليتامى مسرفين فى الإنفاق منها ولو على اليتيم نفسه، ولا مبادرين كبرهم إليها أي ولا مسابقين الكبر فى السن التي بها يأخذونها منكم، فأنتم تطلبون أكل هذا المال كما يطلب كبر السن صاحبه فالسابق منكما هو الذي يظفر به، فبعض الأولياء الخربى الذمة يستعجلون ببعض التصرفات التي لهم فيها منفعة وليس لليتيم فيها ذلك حتى لا تفوتهم إذا كبر اليتيم وأخذ ماله.
ولما كانت هاتان الحالان- الإسراف ومسابقة كبر اليتيم ببعض التصرف- من مواطن الضعف التي تعرض للانسان نهى الله عنهما ونبه


الصفحة التالية
Icon