الإيضاح
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ) القول الذي يحزنه منهم هو ما كانوا يقولونه فيه وفى دعوته ونبوته من تكذيب وطعن وتنفير للعرب منه.
قال ابن كثير: يقول تعالى مسليا لنبيه ﷺ فى تكذيب قومه له ومخالفتهم إياه قد أحطنا علما بتكذيبهم لك وحزنك وأسفك عليهم كما جاء فى قوله:
«فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ» ووفى قوله «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً».
ثم بين أن هذا التكذيب منشؤه العناد والجحود لإخفاء الدليل فقال:
(فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ، وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) أي لا يتهمونك بالكذب فى نفس الأمر، ولكنهم يعاندون الحق ويدفعونه بصدودهم.
روى سفيان الثوري عن على قال: قال أبو جهل للنبى صلى الله عليه وسلم:
إنا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به، فأنزل الله (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
وروى ابن أبي حاتم عن أبي يزيد المدني أن النبي ﷺ لقى أبا جهل فصافحه، فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال والله إنى لأعلم إنه لنبى، ولكن متى كنا لبنى عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد: (فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ).
والخلاصة- إنهم لا ينسبون النبي ﷺ إلى افتراء الكذب، ولا يجدونه كاذبا فى خبر يخبر به بأن يتبين أنه غير مطابق للواقع، وإنما يدّعون أنّ ما جاء به من أخبار الغيب التي من أهمها البعث والجزاء كذب غير مطابق للواقع، ولا يقتضى ذلك أن يكون هو الذي افتراه، فإن التكذيب قد يكون للكلام دون المتكلم الناقل له.
وذكر الرازي فى نفى التكذيب مع إثبات الجحود أربعة أوجه:


الصفحة التالية
Icon