وبعد أن ذكر سبحانه تصرفه فى الخلق دقيقه وجليله كما يشاء كما هو شأن الربوبية الكاملة، ذكر أنه هو السميع العليم أي المحيط سمعه بكل ما من شأنه أن يسمع مهما يكن خفيا عن غيره، فهو يسمع دبيب النملة فى الليلة الظلماء، والمحيط علمه بكل شىء «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ».
والخلاصة- إنه تعالى لا تدق عن سمعه دعوة داع، أو تعزب عن علمه حاجة محتاج، حتى يخبره بها الأولياء، أو يقنعه بها الشفعاء.
وبعد هذا القول الذي أمر رسوله للتذكير بأنه المالك لكل شىء، والمدبر لكل شىء إذ هو سميع لكل شىء ولا يعزب عن علمه شىء- أمره هنا بقول آخر لازم لما سبق، وهو وجوب ولايته تعالى وجده والتوجه إليه دون سواه فى كل ما هو فوق كسب البشر، والاعتماد على توفيقه فيما هو من كسبهم فقال:
(قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا؟) أي قل لهم: لا أطلب من غيره نفعا ولا ضرا، لا فعلا ولا منعا، فيما هو فوق كسبه وتصرفه الذي منحه الله لأبناء جنسه، أما تناصر المخلوقين وتولّى بعضهم بعضا فيما هو من كسبهم العادي، فلا يدخل فى عموم الإنكار الذي يفهم من الآية، فقد أثنى الله على المؤمنين بأن بعضهم أولياء بعض.
وقد كان المشركون من الوثنيين ومن طرأ عليهم الشرك من أهل الكتاب يتخذون معبوداتهم وأنبياءهم وصلحاءهم أولياء من دون الله، يتوجهون إليهم بالدعاء ويستغيثون بهم ويستشفعون بهم عند الله فى قضاء حاجاتهم من نصر على عدو وشفاء من مرض وسعة فى رزق إلى نحو أولئك.
وهذا بلا شك عبادة وشرك بالله لاعتقادهم أن حصول المطلوب من غير أسبابه العادية قد كان بمجموع إرادة هؤلاء الأولياء وإرادة الله.
ويلزم هذا أن إرادة الله ما تعلقت بفعل ذلك المطلب إلا تبعا لإرادة الولي الشافع أو المتّخذ وليا وشفيعا.