ثم بين أن المفترين على الله الكذب يسألون يوم القيامة سؤال توبيخ وإنكار على ما اجترحوا فقال:
(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ؟) أي واذكر لهم أيها الرسول يوم نحشرهم جميعا على اختلاف درجاتهم فى ظلم أنفسهم وظلم غيرها، ثم نقول للذين أشركوا منهم وهم أشدهم ظلما: أين الشركاء الذين كنتم تزعمون فى الدنيا أنهم أولياؤكم من دون الله تستعينون بهم كما يستعان به ويدعون كما يدعى، وأنهم يقربونكم إليه زلفى ويشفعون لكم عنده، فأين ضلوا عنكم فلا يرون معكم؟ كما جاء فى الآية الأخرى «وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ، لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» ثم أخبر بأنهم يوم القيامة ينكرون ذلك الشرك فقال:
(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) الفتنة هنا الشرك أي ثم لم تكن عاقبة هذا الشرك إلا أن أقسموا بالله يوم القيامة أنهم ما كانوا مشركين.
وظاهر الآيات يدل على أنهم كانوا ينكرون فى بعض مواقف الحشر شركهم بالله توهما منهم أن ذلك ينفعهم كما جاء فى هذه الآية، ويعترفون به فى بعض آخر كما جاء فى قوله: «هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ» وفى قوله «وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً».
وروى عن ابن عباس أنه سئل عن هذه الآية وعن قوله: (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) فقال: أمّا قوله (وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فإنهم لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام قالوا تعالوا لنجحد (قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم (وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً).
وقال الزجاج: تأويل هذه الآية حسن فى اللغة لا يعرفه إلا من وقف على معانى كلام العرب، وذلك أنه تعالى بين كون المشركين مفتونين بشركهم متهالكين فى حبه، فذكر أن عاقبة كفرهم الذي لزموه أعمارهم وقاتلوا عليه وافتخروا به وقالوا إنه دين آبائنا لم تكن إلا الجحود والتبرؤ منه والحلف على عدم التدين به، ومثاله أن ترى إنسانا


الصفحة التالية
Icon