حكمة الله تعالى وآياته فيها كما اصطفى بعض أفراده وخصهم بوحيه ورسالته وجعلهم مبشرين بدينه وهديه، وجعل الشيطان عاصيا متمردا على الإنسان وعدوا له وجعل النفوس البشرية وسطا بين النفوس الملكية المفطورة على طاعة الله تعالى وإقامة سننه فى صلاح الخلق، وبين روح الجن الذين يغلب على شرارهم (وهم الشياطين) التمرد والعصيان.
كما أنه تعالى آتى الإنسان إرادة واختيارا إن شاء صعد إلى أفق الملائكة، وإن أراد هبط إلى أفق الشياطين.
(قالَ فَاهْبِطْ مِنْها) أي اهبط من الجنة التي خلقك الله فيها وكانت على مرتفع من الأرض حين كانت قريبة العهد بالظهور فى وسط الماء، فخير ما يصلح منها لسكنى الإنسان مرتفعاتها.
وقيل هى جنة الجزاء التي أسكنه الله فيها بعد خلقه فى الأرض، ويرشد إلى هذا ما جاء فى سورتى البقرة وطه من أمره بالهبوط وأمر آدم وزوجه بذلك بعد قوله:
«اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ».
(فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها) أي فما ينبغى لك أن تتكبر فى هذا المكان المعدّ للكرامة والتعظيم.
(فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) أي فاخرج من هذا المكان، فإنك من ذوى الذلة والهوان، وقد أظهر حقيقتك الامتحان، ودل على أنك من الأشرار لا الأخيار.
وفى هذا إيماء إلى أنه تعالى جازاه بضد ما أراد، فقد أراد أن يرفع نفسه عن منزلتها فجوزى بالهبوط منها إلى ما دونها،
وجاء فى بعض الآثار: «إن الله تعالى يحشر المتكبرين يوم القيامة فى أحقر الصور، إذ يطؤهم الناس بأرجلهم، كما أنه يبغّضهم إلى الناس فى الدنيا، فيحتقرونهم ولو فى أنفسهم».
(قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي قال رب أمهلنى إلى يوم يبعث آدم وذريته فأكون أنا وذريتى أحياء ما داموا أحياء، وأشهد انقراضهم وبعثهم.