والرواية الثانية تخالف الأولى فى تفسير ما بين الأيدى: هل المراد منه ما هو حاضر أو ما هو مستقبل، وفى تفسير الخلف: هل المراد منه ما يتركه المرء ويتخلف عنه وهو الدنيا، أو هو ما وراء حياته الحاضرة وهو الآخرة، واللفظ محتمل لكلا التأويلين.
روى أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن عمر قال: لم يكن رسول الله ﷺ يدع هؤلاء الدعوات: «اللهم احفظني من بين يدىّ ومن خلفى وعن يمينى وعن شمالى ومن فوقى، وأعوذ بك أن أغتال من تحتى».
(قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً) أي قال اخرج من الجنة وأنت مذموم مهان من الله وملائكته ومطرود من جنته.
(لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ) أي أقسم إن من يتبعك من بنى آدم فيما تزيّنه له من الشرك والفجور، ويصدق ظنك عليه ليكونن معك فى جهنم دار العذاب، ولأملأنها منك وممن تبعك منهم أجمعين.
وفى قوله منهم إشارة إلى أن الملء يكون من بعضهم، فإن بعض من يتبعه فى بعض المعاصي من المؤمنين الموحدين يغفر الله لهم ويعفو عنهم.
ونحو الآية قوله فى سورة ص: «لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ».
وقد استثنى فى سورتى الحجر وص من إغوائه عباده المخلصين، فقال فى الأولى:
«إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ» وقال فى الثانية: «قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ».
وقد علمت أن المراد من هذا بيان طبيعة البشر وطبيعة الشيطان واستعدادهما واختيارهما فى أعمالهما كما هو رأى بعض العلماء، وأيد ذلك الحافظ ابن كثير.