يشهدوا بأنك رسول الله، أو ابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم (أحق ما تقول أم باطل؟) أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، فنزلت الآية.
ثم أراد بعدئذ تسلية نبيه صلّى الله عليه وسلم ببيان أن سنته فى الخلق أن يكون للنبيين أعداء من الجن والإنس فقال:
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) أي كما جعلنا هؤلاء ومن لفّ لفّهم أعداء لك جعلنا لكل نبى جاء قبلك أعداءهم شياطين الإنس والجن- قال مجاهد وقتادة والحسن: إن من الإنس شياطين ومن الجن شياطين- وأيده
ابن جرير بما رواه أبو ذرّ، وهو أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال له عقب صلاة: «يا أبا ذر هل تعوّذت بالله من شر شياطين الإنس والجن؟ قال: قلت يا رسول الله وهل للإنس شياطين؟ قال نعم»
وجاء فى سورة البقرة «وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ» الآية.
ومعنى جعلهم أعداء للأنبياء: أن سنة الله قد جرت بأن يكون الشرّير الذي لا ينقاد للحق كبرا وعنادا أبو جمودا على ما تعود- عدوا للداعى إليه من الأنبياء وورثتهم وناشرى دعوتهم، وهكذا الحال فى كل ضدين يدعوا أحدهما إلى خلاف ما عليه الآخر، فى الأمور الدينية أو الاجتماعية، وهذا ما يعبر عنه بسنة تنازع البقاء بين المتقابلات التي تدعو إلى التنافس والجهاد وتكون العاقبة انتصار الحق، وبقاء الأمثل الأصلح كما قال تعالى: «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ» فالحياة جهاد لا يثبت فيه إلا الصابرون المجدّون، وليس العمل للآخرة إلا كذلك، «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ؟ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ».
ثم بين بعدئذ أن من أثر عداء هؤلاء الشياطين للأنبياء- مقاومتهم للهداية والدعوة التي كلفوا بها فقال: