الإيضاح
(قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي قال أشراف قومه الذين استكبروا عن الإيمان وعن اتباع ما أمرهم به وما نهاهم عنه: قسما لنخرجنك يا شعيب أنت ومن آمن معك- من بلادنا كلها- بغضا لكم ودفعا لفتنتكم، أو لترجعن إلى ديننا ومعتقداتنا التي ورثناها عن آبائنا، وتدخلنّ فى زمرتنا وتندمجنّ فى غمارنا.
والخلاصة- ليكونن أحد الأمرين: إخراجكم من البلاد، أو عودتكم فى الملة، فاختاروا لأنفسكم ما ترونه أرفق بكم وأوفق لكم.
وشعيب عليه السلام لم يكن قبل النبوة على ملة أخرى غير ملة قومه، فساغ لهم أن يطالبوه بالعود إلى ملتهم، وكونه لم يشاركهم فى شركهم ولا بخس الناس أشياءهم- أمر سلبى لا يعدّه به جمهورهم خروجا عنهم- فلا منافاة بين هذا وعصمة الأنبياء عن الكفر.
(قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ) أي أتأمروننا أن نعود فى ملتكم وتهدوننا بالنفي من أوطاننا، والإخراج من ديارنا إن لم نفعل ولو كنا كارهين لكل من الأمرين؟.
إنكم لقد جهلتم أن الدين عقيدة وأعمال يتقرّب بها إلى الله الذي شرعها لتكميل الفطرة البشرية، كما جهلتم أن حب الوطن لا يبلغ منزلة حب الدين لدىّ ولدي قومى، فظنتم فىّ وفيمن آمن معى أننا نؤثر التمتع بالإقامة فى الوطن، على مرضاة الله بالتوحيد المطهّر من أدران الخرافات، وبالفضائل المهذبة للنفوس والمرقّية لها فى معارج الكمال حتى تتم لنا سعادة الدنيا والآخرة.
فللدين منزلة فى النفوس لا تسمو إليها منزلة أخرى، فإن تمكن صاحبه من إقامته فى وطنه وإصلاح أهله به فهم أحق به، وإن فتن فى دينه فيه كان تركه واجبا عليه،