لمن سأله أيترك ناقته سائبة ويتوكل على الله؟ «اعقلها وتوكل» رواه الترمذي،
وقال تعالى مخاطبا رسوله بعد أن أمره بمشورة أصحابه فى غزوة أحد: «فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» وإنما يكون العزم بعد الأخذ بالأسباب فقد لبس من يومئذ درعين وأعدّ العدة لقتال أعدائه، ورتب الجيوش بحسب القوانين المعروفة فى ذلك العصر.
وخلاصة رد شعيب على الملأ من قومه- إنه عجب من تهديدهم وإنذارهم، وأقام الأدلة على امتناع عودهم إلى ملة الكفر باختيارهم، وعدم استطاعة أحد إجبارهم عليه غير الله الفعال لما يريد. ثم ثنى بذكر توكله على الله الذي يكفى من توكل عليه ما أهمّه مما هو فوق كسبه واختياره، ثم ثلث بالدعاء الذي لا يكون مرجو الإجابة إلا بعد القيام بعمل ما فى الطاقة من الأعمال الكسبية مع التوكل على الله فقال:
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ) الفتح إزالة الأغلاق والأشكال، وهو قسمان: حسى يدرك بالبصر كفتح العين والقفل والكلام الذي يكون من القاضي، ومعنوى يدرك بالبصيرة كفتح أبواب الرزق والمغلق من مسائل العلم والنصر فى وقائع الحرب والمبهم من قضايا الحكم، ويقال فتح الله عليه إذا جدّ وأقبلت عليه الدنيا، وفتح الله عليه: نصره، وفتح الحاكم بينهم وما أحسن فتاحته أي حكمه كما قال شاعرهم:
ألا أبلغ بنى وهب رسولا | بأنى عن فتاحتهم غنىّ |
ما كنت أدرى ما قوله تعالى: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا» حتى سمعت بنت ذى يزن تقول لزوجها: تعالى أفاتحك، وقالت أعرابية لزوجها: بينى وبينك الفتاح.
والمعنى- ربنا احكم بيننا وبين قومنا بالحق الذي مضت به سنتك فى التنازع بين المرسلين والكافرين، وبين المحقين والمبطلين، وأنت خير الحاكمين لإحاطة علمك بما يقع به التخاصم، وتنزهك عن اتباع الظلم، واتباع الهوى فى الحكم.