وكانت حليمة بنت أبى ذؤيب تحدث أنها خرجت من بلدها- مع زوجها وابن لها صغير ترضعه- وفى نسوة من بنى سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء.
وذلك فى سنة شهباء لم تبق شيئا.
قالت: فخرجت على أتان لى قمراء «١»، معنا شارف «٢»، والله ما تبض بقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذى معنا، من بكائه من الجوع، ما فى ثديى ما يغنيه، وما فى شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج.
فخرجت على أتانى تلك حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله ﷺ فتأباه، إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبى الصبى فكنا نقول: يتيم، وما عسى أن تصنع أمه وجده! فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معى إلا أخذت رضيعا غيرى.
فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله إنى لا أكره أن أرجع من بين صواحبى، ولم آخذ رضيعا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال:
لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة.
قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته فى حجرى أقبل عليه ثدياى بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك. وقام زوجى إلى شارفنا تلك، فإذا هى حافل، فحلب منها ما شرب، وشربت معه، حتى انتهينا ريّا وشبعنا، فبتنا بخير ليلة.
(٢) الشارف الناقة المسمنة.