متمحضة عن شوائب الفساد وانما قالوا ذلك لانهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض كما قال الله تعالى أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فانكروا كون ذلك فسادا وادعوا كونه إصلاحا محضا وهو من قصر الموصوف على الصفة مثل انما زيد منطلق قال ابن التمجيد ان المسلمين لما قالوا لهم لا تفسدوا توهموا ان المسلمين أرادوا بذلك انهم يخلطون الإفساد بالإصلاح فاجابوا بانهم مقصورون على الإصلاح لا يتجاوزون منه الى صفة الإفساد فيلزم منه عدم الخلط فهو من باب قصر الافراد حيث توهموا ان المؤمنين اعتقدوا الشركة فاجابهم الله تعالى بعد ذلك بما يدل على القصر القلبي وهو قوله تعالى أَلا ايها المؤمنون اعلموا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ فانهم لما اثبتوا لانفسهم احدى الصفتين ونفوا الاخرى واعتقدوا ذلك قلب الله اعتقادهم هذا بان اثبت لهم ما نفوه ونفى عنهم ما اثبتوا والمعنى هم مقصورون على إفساد أنفسهم بالكفر والناس بالتعويق عن الايمان لا يتخطون منه الى صفة الإصلاح من باب قصر الشيء على الحكم فهم لا يعدون صفة الفساد والإفساد ولا يلزم منه ان لا يكون غيرهم مفسدين ثم استدرك بقوله تعالى وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ انهم مفسدون للايذان بان كونهم مفسدين من الأمور المحسوسة لكن لا حس لهم حتى يدركوه قال الشيخ فى تفسيره ذكر الشعور بإزاء الفساد أوفق لانه كالمحسوس عادة ثم فيه بيان شرف المؤمنين حيث تولى الله جواب المنافقين عما قالوه للمؤمنين كما كان في حق المصطفى ﷺ فان الوليد بن المغيرة قال له انه مجنون فنفاه الله عنه بقوله ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ ثم قال فى ذم ذلك اللعين وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ اى حلاف حقير عياب يمشى بين الناس بالنميمة بخيل للمال ظالم فاجر غليظ القلب جاف ومع ذلك الوصف المذكور هو ولد الزنى وذلك لانه ﷺ اتخذ ربه وكيلا على أموره بمقتضى قوله فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا فهو تعالى يكفى مؤونته كما قال اهل الحقائق ان خوارق العادات فلما تصدر من الاقطاب والخلفاء بل من وزرائهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلى فلا يتصرفون لانفسهم في شىء ومن جملة كمالات الاقطاب ومنن الله عليهم ان لا يبتليهم بصحبة الجهلاء بل يرزقهم صحبة العلماء الأدباء الأمناء يحملون عنهم اثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم وذلك كما كان الكامل آصف بن برخيا وزير سليمان عليه الصلاة والسلام الذي كان قطب وقته ومتصرفا وخليفة على العالم فظهر منه ما ظهر من إتيان عرش بلقيس كما حكاه الله تعالى في القرآن وفي التأويلات النجمية وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ الاشارة في تحقيق الآيتين ان الإنسان وان خلق مستعدا لخلافة الأرض ولكنه فى بداية الخلقة مغلوب الهوى والصفات النفسانية فيكون مائلا الى الفساد كما أخبرت عنه الملائكة وقالوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها الآية فبأوامر الشريعة ونواهيها يتخلص جوهر الخلافة عن معدن نفس الإنسان فاهل السعادة وهم المؤمنون ينقادون للداعى الى الحق ويقبلون الأوامر والنواهي واهل الشقاوة وهم الكافرون المنافقون يمرقون من الدين ويتبعون الهوى وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض اى لا تسعوا في إفساد حسن استعدادكم وصلاحيتكم