بالشدة والهول فكأن قائلا قال كيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم والمراد أناملهم وفيه من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل كأنهم يدخلون من شدة الحيرة أصابعهم كلها في آذانهم لا أناملها فحسب كما هو المعتاد ويجوز ان يكون هذا ايماء الى كمال حيرتهم وفرط دهشتهم وبلوغهم الى حيث لا يهتدون الى استعمال الجوارح على النهج المعتاد وكذا الحال في عدم تعيين الإصبع المعتاد اعنى السبابة وقيل لرعاية الأدب لانها فعالة من السب فكان اجتنابها اولى بآداب القرآن ألا ترى انهم قد استبشعوها فكنوا عنها بالمسبحة والمهللة وغيرهما ولم يذكر من أمثال هذه الكنايات لانها ألفاظ مستحدثة لم يتعارفها الناس في ذلك العهد مِنَ الصَّواعِقِ متعلق بيجعلون اى من أجل خوف الصواعق المقارنة للرعد وهي جمع صاعقة وهي قصفة رعد هائل تنقض معها شعلة نار لا تمر بشئ الا أتت عليه لكنها مع حدتها سريعة الخمود للطافتها- حكى- انها سقطت على نخلة فاحرقت نحو النصف ثم طفئت قالوا بين السماء وبين الكلة الرقيقة التي لا يرى أديم السماء إلا من ورائها نار منها تكون الصواعق تخرج النار فتفتق الكلة ويكون الصوت منها كما في روضة العلماء وقيل تنقدح من السحاب إذا اصطكت اجرامه او جرم ثقيل مذاب مفرغ من الاجزاء اللطيفة الارضية الصاعدة المسماة دخانا والمائية المسماة بخارا حار حاد في غاية الحدة والحرارة لا يقع على شىء إلا ثقب واحرق ونفذ فى الأرض حتى بلغ الماء فانطفأ ووقف قالوا إذا أشرقت الشمس على ارض يابسة تحللت منها اجزاء نارية يخالطها اجزاء ارضية يسمى المركب منهما دخانا ويخلط بالبخار ويتصاعدان معا الى الطبقة الباردة فينعقد البخار سحابا وينحبس الدخان فيه ويطلب الصعود ان بقي على طبيعته والنزول ان ثقل وكيف كان يمزق السحاب تمزيقا عنيفا فيحدث منه الرعد ثم قد يحدث شدة حركة ومحاكة فيحدث منه البرق ان كان لطيفا والصاعقة ان كان غليظا قال ابن عباس رضى الله عنهما من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذى يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فان أصابته صاعقة فعلى ديته وكان ﷺ يقول إذا سمع الرعد وصواعقه (اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك) كذا فى تفسير الشيخ وشرح الشرعة حَذَرَ الْمَوْتِ منصوب بيجعلون على العلة اى لاجل مخافة الهلاك والموت فساد بنية الحيوان وَاللَّهُ مُحِيطٌ اصل الإحاطة الاحداق بالشيء من جميع جهاته وهو مجاز في حقه تعالى اى محدق بعلمه وقدرته بِالْكافِرِينَ اى لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط حقيقة فيحشرهم يوم القيامة ويعذبهم والجملة اعتراضية منبهة على ان ما صنعوا من سد الآذان بالأصابع لا يغنى عنهم شيأ فان القدر لا يدافعه الحذر والحيل لا ترد بأس الله عز وجل وفائدة وضع الكافرين موضع الضمير الراجع الى اصحاب الصيب الإيذان بان مادهمهم من الأمور الهائلة المحكية بسبب كفرهم يَكادُ الْبَرْقُ
اى يقرب استئناف آخر وقع جوابا عن سؤال مقدر كانه قيل فكيف حالهم مع ذلك البرق فقيل يكاد ذلك يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ اى يختلسها ويستلبها بسرعة من شدة ضوئه كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ كلما ظرف والعامل فيه جوابها وهو مشوا وأضاء متعد اى أنار البرق الطريق في الليلة المظلمة


الصفحة التالية
Icon