فتنافسوا فيها لانها كانت بنت امامهم وصاحب قربانهم فان بنى ماثان كانت رؤس بنى إسرائيل وملوكهم فقال لهم زكريا انا أحق بها عندى خالتها فقالوا لا حتى نقرع عليها فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين الى نهر قيل هو نهر الأردن فالقوا فيه أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحى على ان كل من ارتفع قلمه فهو الراجح فالقوا ثلاث مرات ففى كل مرة يرتفع قلم زكريا فوق الماء ورسبت أقلامهم فتكفلها. قال الشيخ فى تفسيره وهو معنى قوله فَتَقَبَّلَها رَبُّها الآية كُلَّما اى كل وقت دَخَلَ عَلَيْها اى على مريم زَكَرِيَّا فاعل دخل الْمِحْرابَ اى فى المحراب قيل بنى لها محرابا فى المسجد اى غرفة تصعد إليها بسلم او المحراب اشرف المجالس ومقدمها كانها وضعت فى اشرف موضع من بيت المقدس او كانت مساجدهم تسمى المحاريب- روى- انها لا يدخل عليها الا هو وحده فاذا خرج غلق عليها سبعة أبواب فكلما دخل وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً اى نوعا منه غير معتاد إذ كان ينزل ذلك من الجنة وكان يجد عندها فى الصيف فاكهة الشتاء وفى الشتاء فاكهة الصيف ولم ترضع ثديا قط قالَ كأنه قيل فماذا قال زكريا عليه السلام عند مشاهدة هذه الآية فقيل قال يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا اى من اين يجيئ لك هذا الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت فى غير حينه والأبواب مغلقة عليك لا سبيل للداخل
به إليك قالَتْ مريم وهى صغيرة لا قدرة لها على فهم السؤال ورد الجواب قيل تكلمت وهى صغيرة كما تكلم عيسى وهو فى المهد هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فلا تعجب ولا تستبعد إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ ان يرزقه بِغَيْرِ حِسابٍ اى بغير تقدير لكثرته او بلا محاسبة او من حيث لا يحتسب وهو تعليل لكونه من عند الله اما من تمام كلامها فيكون فى محل النصب واما من كلامه عز وجل فهو مستأنف. وفى الآية دليل على جواز الكرامة للاولياء ومن أنكرها جعل هذا إرهاصا وتأسيسا لرسالته عليه السلام. عن النبي ﷺ انه جاع فى زمن قحط فاهدت له فاطمة رضى الله عنها رغيفين وبضعة لحم اثرته بها فرجع بها إليها وقال (هلمى يا بنية) فكشفت عن الطبق فاذا هو مملوء خبزا ولحما فبهتت وعلمت انها نزلت من عند الله فقال لها ﷺ (أنى لك هذا) فقالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب فقال ﷺ (الحمد لله الذي جعلك شبيهة بسيدة بنى إسرائيل) ثم جمع رسول الله ﷺ عليا والحسنين رضى الله عنهم وجمع اهل بيته عليه فاكلوا وشبعوا وبقي الطعام كما هو فاوسعت فاطمة رضى الله عنها على جيرانها. وقد ظهر على السلف رضى الله عنهم من الصحابة والتابعين ثم على من بعدهم من الكرامات. قال سهل بن عبد الله رضى الله عنه اكبر الكرامات ان تبدل خلقا مذموما من اخلاقك. قال الشيخ ابو العباس رحمه الله ليس الشأن من تطوى له الأرض فاذا هو بمكة وغيرها من البلدان انما الشأن من تطوى عنه أوصاف نفسه. وقيل لابى يزيد ان فلانا يمشى على الماء قال الحوت اعجب منه إذ هو شأنه. فقيل له ان فلانا يمشى فى الهواء قال الطير اعجب من ذلك إذ هو حاله. قيل له كان فلان يمشى الى مكة ويرجع من يومه قال إبليس اعجب من ذلك إذ هو حاله تطوى له الأرض كلها فى لحظة وهو فى لعنة الله فالطى الحقيقي ان تطوى مسافة الدنيا عنك حتى ترى الآخرة اقرب إليك منك لان الأرض تطوى لك فاذا