الشيطان على ذلك لعدم قابلية دفع في فطرته الأولى لحكمة علمها الله تعالى فيه. والمقصود من الاستعاذة لا ينحصر في دفع وسوسة الشيطان إلا أن ذلك معظم المقاصد ولهذا خص بالذكر في القرآن، ولو نوى المستعيذ دفع جميع المضار الدنيوية والأخروية فلا ضير.
نكت في الاستعاذة
الأولى: «أعوذ بالله»، عروج من الخلق إلى الحق ومن الممكن إلى الواجب، لأن «أعوذ» إشارة إلى الحاجة التامة وب «الله» إشارة إلى المعبود القادر على تحصيل كل الخيرات ودفع كل الآفات ومن عرف نفسه بالضعف والقصور عرف الله بأنه قادر على كل مقدور. ومن عرف نفسه باختلال الحال عرف ربه بالجلال والكمال، ومن عرف نفسه بالإمكان عرف ربه بالوجوب.
الثانية: سر الاستعاذة الالتجاء إلى قادر يدفع عنك الآفات، وقراءة القرآن من أعظم الطاعات. ولذلك جاء:
«من شغله قراءة القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» «١»
، فلهذا خصت الاستعاذة بالقراءة.
الثالثة: عند الفرار من العدوّ الغدّار يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وبعد الاستقرار في حضرة الملك الجبار يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
الرابعة: الاستعاذة تطهر اللسان عما جرى عليه من ذكر غير الله، وإذا حصل الطهور استعد للصلاة الحقيقية وهي ذكر الله فيقول: بسم الله.
الخامسة: العبد مأمور بمحاربة العدوّ الظاهر: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة: ٢٩]، وبمحاربة العدوّ الباطن: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر: ٦] فإذا حاربت العدوّ الظاهر كان مددك الملك: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران: ١٢٥] وإذا حاربت العدوّ الباطن كان مددك الملك إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: ٤٢] ومحاربة العدوّ الباطن أولى لأنّ العدوّ الظاهر إن غلب بقي الدين واليقين وكنا مأجورين، وإن غلب العدوّ الباطن كنا مفتونين، ومن قتله العدوّ الظاهر كان شهيدا، ومن قتله العدوّ الباطن كان طريدا، ولا خلاص من شره إلا بأن يقول: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
رواه الترمذي في كتاب ثواب القرآن باب ٢٥. الدارمي في كتاب فضائل القرآن باب ٦.