والثاني نحو أَقِيمُوا الصَّلاةَ [الأنعام: ٧٢] فإن الأمر كما يحتمل الوجوب يحتمل الندب، والصلاة كما يحتمل ذات الأركان يحتمل الدعاء، إلا أن الأمر بالنسبة إلى الوجوب راجح، والصلاة بالنسبة إلى الهيآت المخصوصة راجحة.
والثالث نحو يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠] فإن اليد تحتمل القدرة والجارحة لكنها بالنسبة إلى القدرة مرجوحة فالرجحان مشترك بين النص والظاهر ويسمى بالمحكم، وعدم الرجحان مشترك بين المجمل والمؤوّل ويشملهما المتشابه. والنص يمتاز عن الظاهر بأنه لا يحتمل الغير، والظاهر يحتمله احتمالا مرجوحا، والمجمل يتميز بكونه غير مرجوح، والمؤوّل مرجوح، والتأويل اشتقاقه من آل يؤول أي رجح. وفي الاصطلاح، كما تقرر، حمل الظاهر على المحتمل المرجوح فيشمل التأويل الفاسد والتأويل الصحيح فإن أريد التأويل الصحيح فقط فقد زيد في الرسم بدليل يصيره راجحا أي بحسب ذلك الدليل وإن كان مرجوحا بحسب مفهوم اللفظ وضعا أو عرفا كما قلنا في اليد بمعنى القدرة.
وإذا عرفت الأقسام الأربعة بأسرها فنقول: كلّ منها قد يكون مشتقا إن وجد له أصل يرجع إليه كالموجود والضارب بالإضافة إلى الوجود والضرب فإن معنى الاشتقاق أن تحدّ بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب، فترد أحدهما إلى الآخر. وقد يكون غير مشتق إن فقد له أصل كالوجود والإنسان. وغير المشتق صفة إن دلّ على معنى قائم بالذات كالعلم والكتابة، وغير صفة إن لم يدل كالجسم مثلا.
تنبيه: العلاقة المعتبرة في المجاز إنما تقع بحكم الاستقراء على نيف وعشرين وجها منها الاشتراك في صفة ظاهرة كالأسد على الرجل الشجاع لا على الأبخر لخفاء ذلك. وهذا معظم أنواع المجاز لأنه إطلاق اسم الملزوم على اللازم. وأكثر المجازات بل جميعها يرجع إلى ذلك. ومنها الاشتراك في الشكل كالإنسان للصورة المنقوشة. ومنها كونه آئلا إلى ذلك كالخمر للعصير، أو كائنا عليه كالعبد على من أعتق. ومنها المجاورة مثل جرى الميزاب إذ الجاري في الحقيقة هو الماء لا الميزاب المجاور له. ومنها إطلاق اسم الحال على المحل مثل وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [آل عمران: ١٠٧] أي في الجنة لأنها محل الرحمة. ومنها عكسه
كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يفضض الله فاك»
أي أسنانك، إذ الفم محل الأسنان. ومنها إطلاق اسم السبب على المسبب
كقوله صلّى الله عليه وسلّم: «بلّوا أرحامكم ولو بالسلام»
أي صلوها فإنهم لما رأوا بعض الأشياء يتصل بالنداوة استعار ﷺ البلّ للوصل.
ومنها عكس ذلك كقولهم للخمر إثم، ليكون الإثم مسببا عنها. ومنها إطلاق الكل على الجزء، نحو يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ [البقرة: ١٩] أي أناملهم. ومنها العكس نحو


الصفحة التالية
Icon