«الحي القيوم». ويؤكده ما روينا من قصة بدر ولو كان ذكر أشرف منه لذكره وقتئذ في السجود. وأما الدليل العقلي فإن «الحي» قيل هو الذي يصلح أن يعلم ويقدر، أو هو الدراك الفعال، فأورد عليه أن هذا لا يقتضي المدح لمشاركة أخس الحيوانات إياه في ذلك. ونحن نقول إن «الحي» في اللغة ليس عبارة عمن يوجد فيه هذه الصفة من هذه الحيثية فقط، بل كل شيء، يكون كاملا في جنسه فإنه يسمّى حيّا. ومن هاهنا يصحّ أن يقال: أحيا الموات، وأحيا الله الأرض. فإن كمال حال الأرض أن تكون معمورة، وكمال حال الأشجار أن تكون مورقة نضيرة. ولما كان كمال حال الجسم أن يكون بحيث يصح أن يعلم ويقدر، فلا جرم سميت تلك الصفة حياة. فالمفهوم من «الحي» هو الكامل في جنسه، والكامل في الوجود هو الذي يجب وجوده بذاته، فلا حيّ بالحقيقة إلّا واجب الوجود لذاته. وأما «القيوم» فيطلق لمجموع اعتبارين: أحدهما، أنه لا يفتقر في قوامه إلى غيره. والثاني أنّ غيره يفتقر في قوامه إليه. وبهذا الثاني يزيد على مفهوم «الحي». ومن هذين الأصلين يتشعّب جميع مسائل التوحيد والمعرفة فمنها أن واجب الوجود واحد في ذاته وبجميع جهات الوحدة، إذ لو فرض فيه تركّب بوجه من الوجوه افتقر في تحققه إلى وجود ذينك الجزأين فيقدح في كونه قيوما ومنها أنه لا شريك له وإلا اشتركا في الوجوب وتباينا بالتعيّن فيكون كلّ منهما مركّبا من جزأين فلا يكون قيوما ولا حيّا، فإن كلّ مركّب مفتقر وكل مفتقر ممكن ومنها أن لا يكون متّحيزا لأن كلّ متّحيز منقسم، وقد ثبت أنه واحد، ومنها أنه ليس في جهة يشار إليها، وإلا كان متحيزا ومنها أنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا يصح عليه الحركة والسكون والانتقال والحالية والمحلية وغير ذلك ومنها أنه عالم بجميع المعلومات فإنه لا معنى للعلم إلا حضور حقيقة المعلوم للعالم، وإذا كان حيّا قيوما كانت حقيقته حاضرة عند ذاته وذاته مقوم لغيره، والعلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول فيكون عالما بما سواه. ومنها أنه قادر على كل المقدورات، وإلا لم يكن قيوما بمعنى كونه مقوما لغيره ويعلم منه استناد كل الممكنات إليه بواسطة أو غير واسطة، ويلزم منه القول بالقضاء والقدر. «والحي» أصله حيي كحذر وطمع، فأدغمت الياء في الياء عند اجتماعهما، وكلا الياءين أصل، وقال ابن الأنباري: أصله «حيو» بدليل الحيوان، فلما اجتمعت الواو والياء ثم كان السابق ساكنا، جعلتا ياء مشددة، وزيف بكونه عديم النظير فإنه لم يوجد ما عينه ياء ولامه واو. «والقيوم» مبالغة قائم، وأصله «قيووم» على «فيعول»، فجعلت الياء الساكنة والواو الأولى ياء مشددة.
ولو كان «قوّوما» على «فعول» لقيل «قووم» وعن عمر أنه قرأ «الحي القيام». وقرىء «القيم» ثم لما بين أنه «حي قيوم» أكد ذلك بقوله لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ ولهذا فقد العاطف بينهما وكذا فيما يعقبهما والسنة ما يتقدم النوم من الفتور الذي يسمّى النعاس، أي: لا


الصفحة التالية
Icon