مقررا لشرع من قبله. قلنا: نختار الأول والاختصاص ثابت. فإن اليهود والنصارى مخالفون للأصول في زماننا لقولهم بالتثليث وإشراك عزير والمسيح بالله إلى غير ذلك من قبائح أفعالهم، أو الثاني ولا يلزم ما ذكرتم لجواز أنه تعالى نسخ تلك الفروع بشرع موسى، ثم في زمان محمد نسخ شرع موسى بتلك الشريعة التي كانت ثابتة في زمان إبراهيم، فيكون محمد صاحب الشريعة مع موافقة شرعه شرع إبراهيم في معظم الفروع.
روى الواحدي عن أصحاب رسول الله ﷺ قالوا: لما هاجر جعفر بن أبي طالب وأصحابه إلى الحبشة واستقرت بهم الدار وهاجر رسول الله ﷺ إلى المدينة وكان من أمر بدر ما كان، اجتمعت قريش في دار الندوة وقالوا: إن لنا في الذين عند النجاشي من أصحاب محمد ﷺ ثأرا بمن قتل منكم ببدر. فأجمعوا مالا وأهدوه إلى النجاشي لعله يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم. فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط مع هدايا الأدم وغيره، فركبا البحر وأتيا الحبشة. فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلما عليه وقالا له:
إن قومنا لك ناصحون شاكرون وإصلاحك محبون، وإنهم بعثونا إليك لنحذرك هؤلاء القوم الذين قدروا عليك لأنهم قوم رجل كذاب خرج فينا يزعم أنه رسول الله ولم يتابعه أحد منا إلا السفهاء. وإنا كنا ضيقنا عليهم الأمر وألجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل أحد منا عليهم ولا يخرج منهم أحد، قد قتلهم الجوع والعطش. فلما اشتد عليهم الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك، وقد جئتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا: وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك. قال: فدعاهم النجاشي. فلما حضروا صاح جعفر بالباب يستأذن عليك حزب الله. فقال النجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه ففعل جعفر. فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه فقال: ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله وما أجابهم به النجاشي فساءهما ذلك. ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له فقال عمرو بن العاص: ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك؟ فقال لهم النجاشي: ما يمنعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحيي بها من أتاني من الآفاق؟ قالوا: نسجد لله الذي خلقك وملكك، وإنما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان، فبعث الله فينا نبيا صادقا وأمرنا بالتحية التي رضيها الله لنا وهي «السلام» تحية أهل الجنة. فعرف النجاشي أن ذلك حق وأنه في التوراة والإنجيل. قال: أيكم الهاتف يستأذن عليك حزب الله؟ قال جعفر: أنا. قال: فتكلم. قال: إنك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب، ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أحب أن أجيب عن أصحابي.