على صدقه بالمعجزة. فلو أمرهم بعبادة نفسه بطل دلالة المعجزة على كونه صادقا.
والتحقيق أن الأنبياء موصوفون بصفات لا يحصل معها هذا الادعاء، لأن النفس ما لم تكن كاملة بحسب قوتها النظرية والعملية لم تكن مستعدة لقبول نزول الكتاب السماوي عليه وللحكم وهو فهم ذلك الكتاب وبيانه. وقد يعبر عنه بالسنة والنبوة وهو كونه مأمورا بتبليغ ما فهم الى الخلق، وما أحسن هذا الترتيب، وإذا كانت كاملة بحسب القوتين وما يتبعهما امتنع من مثله مثل هذا القول والاعتقاد، لأن غاية جهد النبي وقصارى أمره صرف القلوب والأرواح من الخلق إلى الحق، فكيف يعقل منه ضده؟ فتبين أنه ليس المراد من قوله: ما كانَ لِبَشَرٍ إلى قوله: كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ أنه يحرم عليه هذا الكلام لأن ذلك محرم على كل الخلق. ولو كان المراد منه التحريم لم يكن فيه تكذيب للنصارى في ادعائهم ذلك على المسيح، لأن من ادعى على رجل فعلا فقيل له إن فلانا لا يحل له أن يفعل ذلك لم يكن مكذبا له فيما ادعاه عليه. ومثله ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [مريم: ٣٥] على سبيل النفي لذلك عن نفسه لا على وجه التحريم والحظر. وكذا قوله: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ [آل عمران: ١٦١] ومعناه النفي لا النهي. ومعنى «ثم» في قوله: ثُمَّ يَقُولَ تبعيد هذا القول عن مثل ذلك البشر وَلكِنْ كُونُوا ولكن يقول كونوا رَبَّانِيِّينَ قال سيبويه:
الرباني منسوب الى الرب بمعنى كونه عالما به ومواظبا على طاعته كما يقال: رجل إلهي إذا كان مقبلا على معرفة الإله وطاعته. وزيادة الألف والنون في النسبة فقط للدلالة على كمال هذه الصفة كما قالوا: شعراني ولحياني ورقباني للموصوف بكثرة الشعر وطول اللحية وغلظ الرقبة. وقال المبرد: والربانيون أرباب العلم واحدها ربان وهو الذي يرب العلم ويرب الناس بتعليمهم وإصلاحهم والقيام بأمرهم. والألف والنون كما في ريان وعطشان لا يختص بحال النسبة. والربانيون بهذا التفسير يشمل الولاة أيضا. قال القفال: يحتمل أن يكون الوالي يسمى ربانيا لأن يطاع كالرب تعالى فينسب إليه. فمعنى الآية: ولكن يدعوكم إلى أن تكونوا ملوكا وعلماء باستعمالكم أمر الله تعالى ومواظبتكم على طاعته. وقال أبو عبيدة:
أحسب أن هذه الكلمة ليست بعربية إنما هي عبرانية أو سريانية. وسواء كانت عربية أو عبرية تدل على الإنسان الذي علم وعمل بما علم ثم اشتغل بتعليم طرق الخير. عن محمد ابن الحنفية أنه قال حين مات ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة. والباء في قوله: بِما كُنْتُمْ للسببية و «ما» مصدرية وتُعَلِّمُونَ من التعليم أو العلم على القراءتين فيعلم منه أن التعليم أو العلم أو الدراسة وهي القراءة توجب على صاحبها كونه ربانيا، والسبب لا محالة مغاير للمسبب فهذا يقتضي أن يكون كونه ربانيا أمرا مغايرا لكونه عالما ومعلما ومواظبا على