بآية الزكاة. وضعف بأن إيجاب الزكاة لا ينافي الترغيب في بذل المحبوب لوجه الله.
و «من» في مِنْ شَيْءٍ للتبيين يعني من أي شيء كان، طيب أو خبيث فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ فيجازيكم بحسبه أو يعلم الوجه الذي لأجله تنفقون من الإخلاص أو الرياء. ثم إنه سبحانه بعد تقرير الدلائل الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وبعد توجيه الإلزامات الواردة على أهل الكتاب في هذا الباب، أجاب عن شبهة للقوم وتقرير ذلك من وجوه: أحدها أنهم كانوا يعوّلون في إنكار شرع محمد ﷺ على إنكار النسخ، فأورد عليهم أن الطعام الذي حرمه إسرائيل على نفسه كان حلالا ثم صار حراما عليه وعلى أولاده وهو النسخ. ثم إن اليهود لما توجه عليهم هذا السؤال زعموا أن ذلك كان حراما من لدن آدم ولم يحدث نسخ، فأمر النبي ﷺ بأن يطالبهم بإحضار التوراة إلزاما لهم وتفضيحا ودلالة على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه كان أميا فامتنع أن يعرف هذه المسألة الغامضة من علوم التوراة إلا بخبر من السماء.
وثانيها أن اليهود قالوا له: إنك تدعي أنك على ملة إبراهيم، فكيف تأكل لحوم الإبل وألبانها وتفتي بحلها مع أن ذلك كان حراما في دين إبراهيم؟ فأجيبوا بأن ذلك كان حلالا لإبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب. إلا أن يعقوب حرمه على نفسه بسبب من الأسباب، وبقيت تلك الحرمة في أولاده، فأنكروا ذلك فأمروا بالرجوع الى التوراة. وثالثها لما نزل قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النساء: ١٦٠] وقوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام: ١٤٦] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه إنما حرم عليهم كثير من الأشياء جزاء لهم على بغيهم وظلمهم. غاظهم ذلك واشمأزوا وامتعضوا من قبل أن ذلك يقتضي وقوع النسخ. ومن قبل أنه تسجيل عليهم بالبغي والظلم وغير ذلك من مساويهم. فقالوا: لسنا بأول من حرمت هي عليه وما هو إلا تحريم قديم فنزلت كُلُّ الطَّعامِ أي المطعومات كلها لدلالة كل على العموم وإن كان لفظه مفردا سواء قلنا الاسم المفرد المحلى بالألف واللام يفيد العموم أولا. والطعام اسم لكل ما يطعم ويؤكل. وعن بعض أصحاب أبي حنيفة: إنه اسم البر خاصة. ويرد عليه أن المستثنى في الآية من الطعام كان شيئا سوى الحنطة وما يتخذ منها. قال القفال: لم يبلغنا أنه كانت الميتة مباحة لهم مع أنها طعام، وكذا القول في الخنزير، فيحتمل أن يكون المراد الأطعمة التي كان يدعي اليهود في وقت نبينا ﷺ أنها كانت محرمة على إبراهيم صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا يكون اللام في الطعام للعهد لا للاستغراق. والحل مصدر كالعز والذل ولذا استوى فيه الواحد والجمع. قال تعالى: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ [الممتحنة: ١٠] والوصف بالمصدر يفيد المبالغة. وأما الذي حرم إسرائيل على نفسه
فروى ابن عباس عن النبي ﷺ أن يعقوب مرض