فجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول الحديث فنزلت.
وفي رواية عن ابن عمر أن النبي ﷺ لعن أقواما فقال: اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحرث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت هذه الآية.
وفيها أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فتاب الله على هؤلاء فحسن إسلامهم. وقيل نزلت في حمزة بن عبد المطلب.
وذلك أنه ﷺ لما رآه ورأى ما فعلوا به من المثلة قال: لأمثلن منهم بثلاثين فنزلت،
وقيل: أراد يلعن المسلمين الذين خالفوا أمره والذين انهزموا فمنعه الله عن ذلك. مروى عن ابن عباس، وقيل: أراد أن يستغفر للمسلمين الذين عصوا أمره فنزلت. وقال القفال: كل هذه الأمور وقعت يوم أحد فلا يمتنع حمل نزول الآية في الكل.
القول الثاني:
وإليه ذهب مقاتل أنها نزلت في واقعة أخرى وهي أن النبي ﷺ بعث جمعا من خيار الصحابة زهاء سبعين إلى بني عامر ليعلموهم القرآن. فلما وصلوا إلى موضع يقال له بئر معونة، ذهب إليهم عامر بن الطفيل مع عسكره وأخذهم وقتلهم. فجزع من ذلك رسول الله ﷺ شديدا ودعا على الكفار في القنوت أربعين يوما يقول بعد ما يرفع رأسه من الركعة الثانية في الصبح: اللهم العن بني لحيان والعن رعلا وذكوان. اللهم انج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة. اللهم أشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف حتى أنزل الله عز وجل لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
ولا يخفى أن ظاهر الآية يدل على أنه ﷺ كان يفعل فعلا فمنع منه، وحينئذ يتوجه الإشكال بأن فعل ذلك الفعل إن كان من الله تعالى فكيف منعه منه وإلا فهو قدح في عصمته ومناف لقوله: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى [النجم: ٣] والجواب أن المنع من الفعل لا يدل على أن الممنوع مشتغل به كقوله: وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ [الأحزاب: ٤٨] مع أنه ما أطاعهم وقوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: ٦٥] مع أنه ما أشرك قط. ولعله عليه السلام شاهد من قتل حمزة وغيره ما أورثه حزنا شديدا، وكان من الممكن أن يحمله على ما لا ينبغي من الفعل والقول، فنص الله تعالى على المنع تقوية لعصمته ﷺ وتأكيدا لطهارته. ولئن سلمنا أنه كان مشغولا بذلك الفعل والقول فإنه محمول على ترك الأولى، والنهي إرشاد إلى اختيار الأفضل وأيضا إن دعاء النبي ﷺ لا يكون بمجرد التشهي وإنما هو بطلب الأصلح فالذي يظن به أنه خلاف مسؤوله ﷺ وقد وقع فهو بالحقيقة سؤاله صلى الله عليه وسلم، ولهذا سأل الله تعالى أن يجعل لعنه على من لا يستحقه طهرا وزكاة ورحمة والله أعلم. وقوله:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ معناه ليس لك من قصة هذه الواقعة ومن شأن هذه الحادثة شيء، فإني أعلم بمصالح عبادي. أو المراد الأمر الذي هو خلاف النهي أي ليس لك من