يربي أحدكم فلوة أو فصيلة حتى تكون أعظم من الجبل. فمن أعطى قلبه إلى الله فهو يربيه بين أصبعي جلاله حتى يصير أعظم من العرش بما فيه، وإن قوما بذلوا المال لله، وقوما بذلوا الحال بإيثار صفاء الأوقات وفتوحات الخلوات على طلاب الحق وأرباب الصدق للقيام بأمورهم في تشفي ما في صدورهم وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر: ٩] فبذلوا ليحصلوا، وحصلوا لينفصلوا، وانفصلوا ليتصلوا، واتصلوا ليصلوا الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله في طلبه لا في طلب غيره من الثناء والجزاء إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً [الدهر: ٩] ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا على الله بأن يقول: عملت هذا العمل لأجلك ووجب لي عليك الأجر وَلا أَذىً بأن يطلب من الله غير الله. رأى أحمد بن خضرويه ربه في المنام فقال له: كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد فإنه يطلبني لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ينزلهم في مرتبة العندية عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: ٥٥] لا عند الجنة ولا عند النار. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ يصدر عن العارف بالله في طلب المعروف وَمَغْفِرَةٌ له وأن لم يكن عنده ما يتصدق خَيْرٌ له عند ربه مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها من الجهل أَذىً طلب غير الحق من الحق وَاللَّهُ غَنِيٌّ عن غيره حَلِيمٌ لا يعجل بالعقوبة على من يختار في الطلب غيره، ولولا حلمه فما للتراب ورب الأرباب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى فالمعاملات إذا كانت مشوبة بالأغراض ففيها نوع من الإعراض، ومن أعرض عن الحق فقد أقبل على الباطل ومن أقبل على الباطل فقد أبطل حقوقه في الأعمال فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس: ٣٢]. ولو كان قصدك في الصدقة طلب الحق لما مننت على الفقير بل كنت رهين منته حيث صار سبب وصولك إلى الحق، ولهذا
قال ﷺ «لولا الفقراء لهلك الأغنياء»
أي لم يجدوا سبيلا إلى الحق. وفسر بعضهم اليد العليا بيد الفقير، واليد السفلى بيد الغني. لأن الفقير يأخذ منه الدنيا ويعطيه الآخرة كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لأنه لو كان مؤمنا بالله لكان ينفق لله، ولو كان يؤمن بالآخرة لأنفق للآخرة لا للناس فمثل المرائي كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ هو عمله فَأَصابَهُ وابِلٌ وهو وابل الرد.
«أنا أغنى الأغنياء عن الشرك» «١»
فَتَرَكَهُ صَلْداً مفلسا خائبا. لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ليتوسلوا به إلى الله.
وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ بنعمة طلب شهود جماله فحرموا عن دولة وصاله. وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ وتخليصا لنياتهم في طلب الحق ومرضاته من خطوط أنفسهم كَمَثَلِ جَنَّةٍ