يكون طيبا من جميع الوجوه فيكون طيبا بمعنى الحلال وبمعنى الجودة أيضا، لأن الاستطابة قد تكون شرعا وقد تكون عقلا. واعلم أن المال الزكوي إن كان كله شريفا وجب أن يكون المأخوذ منه كذلك، وإن كان الكل خسيسا فلا يكلف صاحبه فوق طاقته ولا يكون خلافا للآية لأن المأخوذ في هذه الحال لا يكون خبيثا من ذلك المال وإنما الكلام فيما لو كان في المال جيد ورديء فحينئذ يقال للإنسان لا تجعل الزكاة من رديء مالك، ولا تكلف أيضا جيده
لقوله ﷺ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم وإياك وكرائم أموالهم» «١»
بل الواجب حينئذ هو الوسط. ثم إن قلنا: المراد من الإنفاق في الآية التطوع أو هو والفرض جميعا، فالمعنى أن الله تعالى ندبهم إلى أن يتقربوا إليه بأفضل ما يملكونه قضاء لحقوق التعظيم والإخلاص، ومعنى لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ لا تقصدوه. يقال: تيممته وتأممته كله بمعنى قصدته. ومحل تُنْفِقُونَ نصب على الحال، وقدم مِنْهُ عليه ليعلم أن المنهي عنه هو تخصيص الخبيث بالإنفاق منه أي إذا كان في المال طيب وخبيث. ويحتمل أن يتم الكلام عند قوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ثم ابتدأ مستفهما بطريق الإنكار فقال: مِنْهُ تُنْفِقُونَ وحالكم أنكم لا تأخذونه في حقوقكم إلا بالإغماض وهو غض البصر وإطباق جفن على جفن وأصله من الغموض وهو الخفاء.
يقال للبائع: أغمض أي لا تستقص كأنك لا تبصر. وأصله أن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه كيلا يرى ذلك، فكثر حتى جعل كل مساهلة إغماضا أي لو أهدي لكم مثل هذه الأشياء أخذتموها إلا على استحياء وإغماض، فكيف ترضون لي ما لا ترضونه لأنفسكم؟ ويحتمل أن يراد إلا إذا أغمضتم بصر البائع أي كلفتموه الحط من الثمن. عن الحسن: لو وجدتموه في السوق يباع ما أخذتموه حتى يهضم لكم من ثمنه. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عن صدقاتكم حَمِيدٌ محمود على ما أنعم من البيان والتكليف بما تحوزون به النعيم الأبدي، أو حامد شاكر على إنفاقكم كقوله: فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء: ١٩] ثم إن الله تعالى لما رغب في أجود ما يملكه الإنسان أن ينفق، حذر عن وسوسة الشيطان فقال: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ أما الشيطان فيشمل إبليس وجنوده وشياطين الإنس والنفس الأمارة بالسوء. والوعد يستعمل في الخير والشر. قال تعالى:
النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحج: ٧٢] ويمكن أن يكون استعماله في الشر محمولا