إبداء الصدقات ضد إخفائها، وإخفاؤها تخليتها عن شوب الحظوظ وإليه الإشارة في
قوله صلى الله عليه وسلم: «سبعة يظلهم الله في ظله»
ثم قال: «ورجل تصدق بيمينه فأخفاها عن شماله» «١»
أي عن حظوظ نفسه لتكون خالصة لوجه الله. فصاحبها يكون في ظل الله
قال صلى الله عليه وسلم: «إن المرء يكون في ظل صدقته يوم القيامة» «٢»
أي إن كانت صدقته لله كان في ظل الله، وإن كانت للجنة كان في ظل الجنة، وإن كانت للهوى كان في ظل الهاوية. فمعنى قوله: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ أي تظهروها لطمع ثواب الجنة فإن طمع الصواب شوب حظ فَنِعِمَّا هِيَ فإنها مرتبة الأبرار إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ [الانفطار: ١٣] وَإِنْ تُخْفُوها عن كل حظ ونصيب وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ الذين تعطونها إياهم لوجه الله لا لحظ النفس فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لأن جزاءها لقاء الله. ثم أخبر عن الهداية وأن ليس لأحد عليها الولاية وأن الله فيها ولي الكفاية، يا محمد لك المقام المحمود واللواء المعقود ولك الوسيلة وعلى الأنبياء الفضيلة، وأنت سيد الأولين والآخرين وأنت أكرم الخلائق على رب العالمين ولكن لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ولكن الهداية من خصائص شأننا ولوائح برهاننا، أنت تدعوهم ونحن نهديهم. ثم نبه على أن أفضل وجوه الإنفاق هو الفقير الذي أحصرته المحبة في الله عن طلب المعاش لا الذي أحصره الفقر والعجز عن طلب الكفاف، أخذ عليه سلطان الحقيقة كل طريق فلا له في المشرق مذهب ولا له في المغرب مضرب، ولا منه إلى غيره مهرب.
كأن فجاج الأرض ضاقت برحبها | عليه فما تزداد طولا ولا عرضا |
«أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري يا محمد»
تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لأنك لست بك فلست غيري، ما رأيت إذ رأيت ولكن الله رأى وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: ١٧] وإن سيماهم لا يرى بالبصر الإنساني بل يرى من نور رباني، فمن سيماهم في الظاهر من ظهور آثار أحوال الباطن أنهم لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً لا بقليل ولا بكثير. لأن اثار أنوار غنى قلوبهم انعكست على ظواهرهم فتنورت بالتعفف نفوسهم، واضمحلت ظلمة فقرهم وفاقتهم وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ من المال أو الجاه أو خدمة بالنفس أو إكرام أو إرادة حتى السلام على هؤلاء السادة استحقاقا وإجلالا لا استخفافا وإذلالا
(٢) رواه أحمد في مسنده (٤/ ٢٣٣)، (٥/ ٤١١) بلفظ «إن ظل المؤمن يوم القيامة صدقته».