في كتابه في فضائل الصحابة ظهر علي بن أبي طالب من البعيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا سيد العرب» فقالت عائشة: ألست سيد العرب؟ فقال: «أنا سيد العالمين وهو سيد العرب».
ومما يؤكّد هذه المعاني ما ركز في العقول أن ذخائر كل ملك ينبغي أن تكون على مقدار من تحت تملكه فأمير المدينة يحتاج إلى عدة أكثر من عدة رئيس القرية. ولما كانت نبوة محمد ﷺ أعمّ من نبوة سائر الأنبياء فإنه مبعوث إلى الثقلين كافة، فلا جرم أعطي من كنوز العلم والحكمة وذخائر المعارف والحقائق، ومن جوامع الكلم وبدائع الحكم ومحاسن العادات ومكارم الأخلاق ما لم يؤت نبي قبله ولن يؤتى أحد بعده.
هذا وقد طعن فيه بعض الملحدة بأن معجزات سائر الأنبياء كانت أعظم من معجزاته فآدم جعل مسجود الملائكة، وإبراهيم ألقي في النار فانقلبت روحا وريحانا، وأوتي موسى العصا واليد البيضاء، وداود لان الحديد في يده، وسليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وكان الجن والإنس والطير مسخرين له، وقد اعترف محمد بفضلهم حتى
قال: «لا تفضلوني على يونس بن متى».
وقال: «لا تخيروا بين الأنبياء» «١»
. وقال «لا ينبغي لأحد أن يكون خيرا من يحيى بن زكريا»
وذكر أنه لم يعمل سيئة قط ولم يهم بها. والجواب أن كون آدم مسجودا للملائكة لا يوجب كونه أفضل من محمد ﷺ بدليل
قوله صلى الله عليه وسلم: «آدم ومن دونه تحت لوائي يوم القيامة» «٢»
وقوله: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين».
ونقل أن جبريل عليه السلام أخذ ركاب محمد ﷺ ليلة المعراج
وهذا أعظم من السجود، وأنه تعالى يصلي بنفسه على محمد إلى يوم القيامة، وسجود الملائكة لآدم ما كان إلا مرّة واحدة على أن ذلك السجود أيضا إنما كان لأجل نور محمد ﷺ الذي كان في جبهته، وأن أول الفكر آخر العمل ولهذا
قال: «لولاك لولاك لما خلقت الأفلاك»
ومن تأمّل كتب دلائل النبوة وجد في مقابلة كل معجزة كان لنبي قبله معجزة أفضل منها لمحمد صلى الله عليه وسلم. وأما
قوله: «لا تفضلوني.... ولا تخيروا»
، فنوع من التواضع وسلوك طريق الأدب. وأيضا التمييز بين الشخصين إنما يمكن بعد الإحاطة بفضائلهما جميعا وذلك مرتبة لا تليق بكل أحد، فورد النهي عنه حتى لا يؤدي إلى محذور. والحاصل أن التوفيق بين
قوله «لا تفضلوني»
وبين ما مرّ من الأحاديث أن كلا منهما ورد في مقام آخر ولغرض آخر، فحيث رآهم يزدرون بشأنه ويتعجبون من الأنبياء
رواه البخاري في كتاب الأنبياء باب ٣٥. مسلم في كتاب الفضائل حديث ١٥٩ بلفظ «لا تفضلوا بين الأنبياء».
(٢) رواه الترمذي في كتاب المناقب باب ١. أحمد في مسنده (١/ ٢٨١).