التفسير:
إنه سبحانه كثيرا ما يحتج على مشركي العرب بأحوال إبراهيم صلوات الرحمن عليه لأنه يعرف بالفضل والتقدم عند جميع الطوائف، وذلك أنه سلم قلبه للرحمن ولسانه للبرهان وبدنه للنيران وولده للقربان وماله للضيفان. ثم إن بظاهر الآية يدل على أن اسم والد ابراهيم هو آزر، ومنهم من قال: اسمه تارح. قال الزجاج: لا خلاف بين النسابين أن اسمه تارح، فمن الملحدة من طعن في هذا النسب لهذا السبب. والجواب أن إجماع النسابة لا عبرة به لأن ذلك ينتهي إلى قول الواحد أو الأثنين- مثل وهب وكعب- أو غيرهما.
سلمنا أن اسمه كان «تارح» لكنه من المحتمل أن يكون أحدهما لقبا والآخر اسما أصليا، أو يكون آزر صفة مخصوصة في لغتهم كالمخطىء والمخذول. وقيل: إن آزر هو الشيخ الهرم بالخوارزمية وهذا عند من يجوز اشتمال القرآن على ألفاظ قليلة من غير لغة العرب. وقيل:
إن آزر اسم صنم يجوز أن ينبز به للزومه عبادته، فإن من بالغ في محبة واحد فقد يجعل اسم المحبوب اسما للمحب قال تعالى يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ [الإسراء: ٧١] وقال الشاعر:
أدعى بأسماء نبزا في قبائلها | كأن أسماء أضحت بعض أسمائي. |
روي أنه ﷺ قال: «لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»
وإن آزر كان عم إبراهيم وما كان والدا له لأن إبراهيم شافهه بالغلظة والجفاء في قوله: إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وقد قال تعالى فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما [الإسراء: ٢٣] ولأنه ناداه بالاسم في قراءة من قرأ «آزر» بالضم. والنداء بالاسم دليل الاستخفاف ولهذا لم يقرأ بالضم في قوله وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي [الأعراف: ١٤٢] وأجيب بأن قوله وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء: ٢١٩] يحتمل وجوها أخرى سوف يجيء ذكرها، وبأن
قوله «لم أزل أنتقل»
محمول على أنه لم يقع في نسبه ما كان سفاحا. والتغليظ من إبراهيم إنما كان لأجل إصرار