ثم إنه سبحانه استثنى من جملة الأمور المستطابة الخمر والميسر- وقد تقدم معناهما وما يتعلق بهما في سورة البقرة، وسلك في سلك التحريم الأنصاب والأزلام وقد ذكرناهما في أول هذه السورة. واعلم أنه كانت تحدث قبل تحريم الخمر أشياء يكرهها رسول الله ﷺ منها
قصة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه مع عمه حمزة على ما روي في الصحيحين أنه قال: كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان رسول الله ﷺ أعطاني شارفا من الخمس، فلما أردت أن أبني بفاطمة بنت رسول الله ﷺ وأعدت رجلا صوّاغا من بني قينقاع أن يرتحل معي لأذخر، أردت أن أبيعه من الصوّاغين فأستعين به في وليمة عرسي. فبينا أنا أجمع لشارفيّ متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار، أقبلت فإذا أنا بشارفيّ قد جبت أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر وقلت: من فعل هذا؟ قالوا: فعله حمزة بن عبد المطلب وهو في البيت في شرب مع امرأة من الأنصار غنت أغنية فقالت في غنائها:
ألا يا حمز للشرف النواء وهن معقلات بالفناء ضع السكين في اللبات منها فضرجهن حمزة بالدماء وأطعم من شرائحها كبابا ملهوجة على وهج الصلاء فأنت أبا عمارة المرجى لكشف الضر عنا والبلاء فوثب الى السيف فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما. قال علي رضي الله عنه: فانطلقت حتى دخلت على النبي ﷺ وعنده زيد بن حارثة فعرف رسول الله ﷺ الذي أتيت له فقال: ما لك؟ فقلت: يا رسول الله ما رأيت كاليوم! عدا حمزة على ناقتي فاجتب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هوذا في بيت معه شرب. قال: فدعا رسول الله ﷺ بردائه ثم انطلق يمشي واتبعت أثره، - أنا وزيد بن حارثة- حتى جاء البيت الذي فيه. فاستأذن فأذن له فإذا هم شرب، فطفق رسول الله ﷺ يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة ثمل محمرة عيناه، فنظر إلى رسول الله ﷺ ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال:
وهل أنتم إلا عبيد أبي؟ فعرف رسول الله ﷺ أنه ثمل فنكص على عقبيه القهقرى، فخرج وخرجنا
فكانت هذه القصة من الأسباب الموجبة لنزول تحريم الخمر. قالت العلماء: هذه الآية تدل على تحريمها من وجوه منها: تصدير الجملة ب «إنما» الدالة على الحصر معناه ليست