عليه السلام طلب الرؤية فدل ذلك على جوازها. ومنها أنه تعالى علق الرؤية على استقرار الجبل والمعلق على الجائز جائز. ومنها قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [الكهف:
١١٠] قد اتفق الجمهور على أن النبي ﷺ وآله فسر الحسنى بالجنة والزيادة بالرؤية، ومنها قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ [الكهف: ١١] ونحو ذلك من الآيات الدالة على اللقاء، ومنها قوله كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف: ١٠٧] والاقتصار على النزل لا يجوز فالزائد على جنات الفردوس لا يكون إلا اللقاء. ومنها قوله وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣] وسوف يأتي في سورة النجم إن شاء الله تعالى. ومنها قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة: ٢٢، ٢٣] ومنها قوله كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين: ١٥] فيكون المؤمنون غير محجوبين. ومنها قوله فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ [الزخرف: ٧١] ولا شك أن القلوب الصافية مجبولة على حب معرفة الله على أكمل الوجوه وأكمل طرق المعرفة هو العيان. ومنها قوله وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الدهر:
٢٠] فيمن قرأ بفتح الميم وكسر اللام. وأما الأخبار فكثيرة منها:
الحديث المشهور «إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته» «١»
والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية في الجلاء والوضوح لا تشبيه المرئي بالمرئي. ومنها أن الصحابة اختلفوا في أن النبي ﷺ وآله هل رأى الله تعالى ليلة المعراج ولم يكفر بعضهم بعضا بهذا السبب فدل ذلك على أنهم كانوا يجمعون على إمكان الرؤية. أما قوله تعالى وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ففيه دليل على أنه سبحانه مبصر للمبصرات، راء للمرئيات، مطلع على ماهياتها، عليم بعوارضها وذاتياتها. ثم قال وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وليس المراد باللطافة ضد الكثافة وهو رقة القوام فإن ذلك من صفات الأجسام، بل المراد لطف صنعه في تركيب أبدان الحيوانات من الأجزاء الدقيقة والأغشية الرقيقة والمنافذ الضيقة التي لا يعلمها إلا مبدعها. أو المراد أنه لطيف في الإنعام والرحمة لا يأمرهم فوق طاقتهم وينعم عليهم فوق استحقاقهم. أو الغرض أنه يثني عليهم بالطاعة ولا يقطع موادّ إحسانه عنهم بالمعصية. أو المراد أنه يلطف عن أن يدركه الأبصار الخبير بكل لطيف ولا يلطف شيء عن إدراكه، ثم عاد إلى تقرير أمر الدعوة والرسالة فقال قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ أي موجباتها والبصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين. فَمَنْ أَبْصَرَ الحق وآمن فَلِنَفْسِهِ أبصر

(١) رواه البخاري في كتاب المواقيت باب ١٦، ٢٦. كتاب تفسير سورة ٥٠ باب ٢. كتاب الرقاق باب ٥٢. أبو داود في كتاب السنة باب ١٩. الترمذي في كتاب الجنة باب ١٦. أحمد في مسنده (٣/ ١٦، ١٧، ٢٧).


الصفحة التالية
Icon