أقواما واستفاد هذه العلوم منهم ثم نظمها قرآنا وادّعى أنه نزل عليه من الله أتبعه قوله اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لئلا يصير ذلك القول سببا لفتوره في تبليغ الدعوة والرسالة والمقصود تقوية قلبه وإزالة الحزن الذي يعتريه بسماع تلك الشبهة، ونبه بالجملة المعترضة أو الحال المؤكدة وهي قوله لا إِلهَ إِلَّا هُوَ على أنه سبحانه لما كان واحدا في الإلهية فإنه يجب طاعته ولا يجوز الإعراض عن تكاليفه بسبب جهل الجاهلين وزيغ الزائغين. ثم ختم الآية بقوله وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وحمله بعضهم على أنها منسوخة بآية القتال. وضعف بأن المراد واترك مقابلتهم فيما يأتونه من سفه، وأن يعدل صلوات الله عليه إلى الطريق الذي يكون أقرب إلى القبول وأبعد عن التنفير والتغيظ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا مذهب الأشاعرة فيه ظاهر. وحمله المعتزلة على مشيئة الإلجاء والقسر. وأجيب بعد المعارضة بالعلم والداعي بأن الإيمان الاختياري هب أنه أنفع وأفضل من الإيمان القهري إلا أنه تعالى لما علم أن ذلك لا يقع ولا يحصل فقد كان يجب في حكمته أن يخلق الله فيه الإيمان القهري كي يخلص من العقاب، وإن لم يجب له الثواب كما أن الأب المشفق إذا علم أن ابنه لا يحسن الغوص يقول له: اترك الغوص في البحر ولا تطلب اللآلئ فإنك لا تجدها واكتف بالرزق القليل مع السلامة، فأما أن يأمره بالغوص في البحر مع اليقين التام بأنه لا يستفيد منه إلا الهلاك فإن ذلك من الرحمة والشفقة بمعزل. ثم ختم الكلام بما يكمل به بصيرة الرسول ﷺ وآله، وذلك أنه بيّن له قدر ما جعل إليه فذكر أنه ما جعله حفيظا ولا وكيلا عليهم وإنما فوض إليه الإبلاغ والإنذار. ثم إنهم لما نسبوا الرسول ﷺ إلى أنه جمع القرآن بطريق المداومة وكان لا يبعد أن يغضب له المسلمون لسبب ذلك فيسبوا آلهتهم نهى الله تعالى عن ذلك فقال وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وذلك أن المسلمين إذا شتموا آلهتهم فربما غضبوا وذكروا الله بما لا ينبغي من القول. وفيه تنبيه على أن خصمك إذا شافهك بجهل وسفاهة لم يجز لك أن تقدم على مشافهته بما يجري مجرى كلامه فإن ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والمسافهة وإنه لا يليق بالعقلاء. قال ابن عباس: لما نزل إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ [الأنبياء: ٩٨] قال المشركون: لئن لم تنته عن سب آلهتنا وعيبها لنهجونّ إلهك فنزلت.
وقال السدي: لما حضر أبا طالب الوفاة قالت قريش: انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنأمرنه أن ينهي عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب كان يمنعه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث وأمية وأبي ابنا خلف وعقبة ابن أبي معيط وعمرو بن العاص والأسود بن البختري إلى أبي طالب فقالوا: أنت كبيرنا


الصفحة التالية
Icon