وفيه من التهديد ما فيه.
ثم ذكر آية جامعة فقال: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ فقيل: ظاهره الزنا في الحوانيت وباطنه الصديقة في السر. قال الضحاك: كان أهل الجاهلية يرون الزنا حلالا ما كان سرا.
والأصح أن النهي عام إذ لا دليل على تخصيصه. ثم قيل: المراد ما أعلنتم وما أسررتم.
وقيل: ما عملتم وما نويتم. وقال ابن الأنباري: يريد وذروا الإثم من جميع جهاته كما تقول: ما أخذت من هذا المال قليلا ولا كثيرا أي ما أخذته بوجه من الوجوه. وقريب منه قول من قال: المراد النهي عن الإثم مع بيان أنه لا يخرج عن كونه إنما بسبب إخفائه وكتمانه. وقيل: المراد النهي عن الإقدام على الإثم. ثم قال: وَباطِنَهُ ليظهر بذلك أن الداعي له إلى ترك ذلك الإثم خوف الله لا خوف الناس. وقيل: ظاهر الإثم أفعال الجوارح، وباطنه أفعال القلوب من الكبر والحسد والعجب وإرادة الشر للمسلمين، ويدخل فيه الاعتقاد والعزم والنظر والظن والتمني والندم على أفعال الخيرات، ومنه يعلم أن ما يوجد في القلب قد يؤاخذ به وإن لم يقترن به عمل إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ أي يكتسبون من الآثام ومنه الاعتراف يمحو الاقتراف كما يقال: التوبة تمحو الحوبة. وظاهر النص يدل على أنه يعاقب المذنب البتة إلا أن المسلمين أجمعوا على أنه إذا تاب لم يعاقب. وأهل السنة على أنه إذا لم يتب احتمل العفو وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ نقل عن عطاء أنه قال: كل ما لم يذكر اسم الله تعالى عليه من طعام أو شراب فهو حرام تمسكا بعموم الآية. وأجمع سائر الفقهاء على تخصيص هذا العموم بالذبح، ثم اختلفوا فمالك: كل ذبح لم يذكر اسم الله تعالى عليه فهو حرام، ترك الذكر عمدا أو نسيانا وهو قول ابن سيرين وطائفة من المتكلمين. أبو حنيفة: إن ترك عمدا حرام وإن ترك نسيانا حل. الشافعي: متروك التسمية عمدا وسهوا حلال إذا كان الذابح مسلما لقوله تعالى: وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ والضمير عائد إلى الأكل الذي دل عليه الفعل أو إلى الموصول على أنه في نفسه فسق مثل «رجل عدل» أو على تقدير حذف المضاف أي وإن أكله لفسق. وقد أجمع المسلمون على أنه لا يفسق بأكل ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية ولقوله تعالى: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وهذه المناظرة كانت في مسألة الميتة
وذلك أن المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاة من قتلها إذا ماتت؟ قال: الله قتلها، قالوا:
فتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتل الكلب والصقر حلال، وما قتله الله حرام؟ فأنزل الله الآية،
فالمراد من الشياطين هاهنا إبليس وجنوده وسوسوا إلى أوليائهم من المشركين ليخاصموا محمدا وأصحابه في أكل الميتة. وقال عكرمة: وإن الشياطين- يعني مردة المجوس- ليوحون إلى أوليائهم من مشركي قريش. وذلك أنه لما نزل تحريم الميتة